تربية وطنية: انطلاق الجلسات المخصصة للاقتراحات المقدمة من طرف نقابات القطاع    اختتام أشغال مؤتمر "الجزائر المتصلة 2025"    الفيفا تنظم ندوة حول بالجزائر    مزيان يستقبل وفدا عن سي آن آن    ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء    المغرب : إضراب وطني في جميع الجامعات للمطالبة بإسقاط كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني    أجواء الجزائر مُغلقة في وجه مالي    عرقاب يتحادث مع رئيس سايبام    الجزائر محمية باللّه    ملتقى حول "تعزيز الجبهة الداخلية والتلاحم الوطني" بالنادي الوطني للجيش    إيران تثمن عاليا المواقف الشجاعة للجزائر في دعم الشعب الفلسطيني بمجلس الأمن    اليوم العربي للمخطوط: لقاء علمي بالجزائر العاصمة حول حفظ وصيانة المخطوطات    فنزويلا "ضيف شرف" الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقي السيمفونية    الشروع في التحضير لإطلاق شبكة الجيل الخامس في الجزائر    برج بوعريريج.. توزيع قرابة 3000 مقرر استفادة من إعانات البناء الريفي قريبا    إصابة 23 فلسطينيا في اقتحام القوات الصهيونية حرم جامعة القدس : استشهاد 19 فلسطينياً، وإصابة عشرات آخرون في غارات    ترامب يطلق حرب التجارة العالمية    سيدي بلعباس..إبراز أهمية دور العلوم الإنسانية والاجتماعية في تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي    وفاة ضابط وإصابة 3 أعوان للحماية المدنية بجروح في حادث مرور بخنشلة    المغرب : مناهضة التطبيع والاختراق الصهيوني معركة حقيقية تستوجب انخراط جميع شرائح المجتمع    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50810 شهيدا و 115688 جريحا    جازاغرو 2025 : 540 مؤسسة في مجال الصناعات الغذائية والتعليب والتغليف تعرض منتوجاتها    حج 2025 : تسخير مراكز للتكوين والتدريب لفائدة الحجاج عبر مختلف بلديات ودوائر الوطن    المغرب: تسويف حكومي يهدد القطاع الصحي بالانفجار والعودة الى الاحتجاجات    الجزائر تحتضن في ماي المقبل الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    الوصاية تصدرعقوبة مالية ضد قناة "الشروق تي في    وفاة شخص وجرح 204 آخرين في حوادث المرور    توقيف مهرب مغربي وبحوزته 120 كلغ من المخدرات بفرنسا    الجزائر تقرر غلق مجالها الجوي أمام مالي    شرطة الطارف تطلق حملة تحسيسية للوقاية من آفة المخدرات    هذا جديد البكالوريا المهنية    مختصون وباحثون جامعيون يؤكدون أهمية رقمنة المخطوطات في الحفاظ على الذاكرة الوطنية    اختيار 22 جزائرية ضمن الوسيطات لحل النّزاعات    طرد سفير الكيان الصهيوني بإثيوبيا من مقر الاتحاد الإفريقي    تبادل الرؤى حول الرهانات الاقتصادية الإقليمية    المسابقة الوطنية للمحاماةتخضع لحاجة الجهات القضائية    الموافقة على تعيين سفيري الجزائر بتنزانيا والموزمبيق    صناعة صيدلانية: تنظيم ورشة للتقييم الذاتي للنظام المعمول به في مجال الأدوية و اللقاحات    أنصار ولفرهامبتون ينتقدون آيت نوري بسبب الدفاع    مطاردة.. تنمُّر وتحرش تستهدف المؤثرين الاجتماعيّين    إشعاع ثقافي وتنافس إبداعي بجامعة قسنطينة 3    التشكيل والنحت بين "الحلم والأمل"    الدراما الجزائرية.. إلى أين؟    هكذا تمكنتُ من التغلب على السرطان    "الفندق الكبير" بوهران تحفة تاريخية تعود للحياة    شياخة سعيد بأول أهدافه في البطولة الدنماركية    موناكو وليل الفرنسيّان يطلبان خدمات ريان قلي    مواي طاي (بطولة افريقيا- 2025- أكابر): مشاركة 12 مصارعا في موعد ليبيا المؤهل إلى الألعاب العالمية- 2025 بالصين    تنظيم الطبعة الأولى من 12 إلى 15 أفريل    الشباب يستعيد الوصافة    كأس الكونفدرالية/ربع نهائي إياب: شباب قسنطينة يتنقل هذا المساء إلى الجزائر العاصمة    تصفيات مونديال سيدات 2026 (أقل من 20 عاما): المنتخب الجزائري يجري تربصا تحضيريا بسيدي موسى    الجزائر ومنظمة الصحة تتفقان    بحثنا سبل تنفيذ القرارات الخاصة بتطوير المنظومات الصحية    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    أعيادنا بين العادة والعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين مي وزوليخا السعودي
إشراقات زينب
نشر في الجمهورية يوم 29 - 05 - 2017


في إشراقة سابقة كنت قد سرقت وجه مي زيادة وملامحها المغيبة للحظات من عيني واسيني؛ وأنا أرافقه في رحلته الجميلة والشيقة من أجل مشروعه الروائي الكبير حولها: ليالي إيزيس كوبيا الأخيرة؛ منذ ولادتها ومسارها الإبداعي إلى مأساتها في العصفورية ووفاتها. كانت المحطة الأولى القاهرة وزيارة قبرها برفقة الصديقين العزيزين الدكتورة نانسي إبراهيم والدكتور نبيل المحيش. ثم الجامعة الأمريكية ببيروت والبحث عن محاضراتها في الأرشيف، تلك التي ألقتها في الويست هول بعد خروجها مباشرة من "العصفورية" بعد تحرك كبير وجهد قوي من أصدقائها وعلى رأسهم أمين الريحاني و بتدخل خاص من الملك عبد الله ملك الأردن، ثم واصلنا الرحلة إلى الجبل حيث تتربع بشموخ ضيعتها شحتول، التي وجدناها تعيش حركة جميلة ومدهشة بحماس وإحساس كبير بالمسؤولية من أجل ابنتهم مي، رمز الضيعة بامتياز. سُميت أهم مدرسة باسمها ونحتت ونصبت من أجلها تماثيل كثيرة، أكبرها يتصدر مدخل الضيعة، كما يحاول المهتمون في ضيعتها وعلى رأسهم أحد أبناء عمومتها الدكتور غرغريوس الذي التقينا به في أحد المطاعم في مدينة جونيا، جمع كل آثارها حيثما كانت وحيثما وجدت والعمل على فتح متحف باسمها ومحاولة الحصول على مخطوطاتها التي بقيت مبعثرة في مصر بين بعض المكتبات وبعض الأصدقاء. لقد كتب عنها الكثير، ولعل أهم ما كتب، ما أنجزه الباحث فاروق سعد الذي خَص جزءا من حياته الثقافية لها. لماذا كل هذه المقدمة ؟؟ فقط لأن صورة الكاتبة الجزائرية المرحومة زوليخا السعودي لم تفارقني طيلة هذه الرحلة ولو لحظة. امرأة سكنتني منذ سنوات بكل تفاصيلها التي أعرفها أو تلك التي لا زلت في رحلة البحث عنها، منذ أن بدأ انشغالي بها وبحياتها وبمنجزها الإبداعي نهاية السبعينات وأنا أورق جريدة الأحرار والجماهير ومجلة آمال والوحدة ومجلة الجزائرية وملحق الشعب الأسبوعي ووثائق ثقافية وأدبية أخرى. لم أكن أعرفها بعد بالشكل الموسع الذي يسمح لي بأن أنجز عنها عملا متكاملا، لكنني انتهجت نهج النملة في البحث حتى لا يفوتني أي تفصيل من حياتها وحتى أبني عملي بشكل عقلاني وموضوعي ومنهجي وبشاعرية تليق بمقام زوليخة السعودي. كانت قد نشرت لها قصة "من وراء المنحنى" مترجمة إلى اللغة الفرنسية في العدد الأول من مجلة آمال التي كان يرأسها المبدع مالك حداد، ولاحقا نشرت "عرجونة" في العدد السادس، كما أن المرحوم الروائي الطاهر وطار أوضح لنا بعض المعلومات حول بداياتها ومراسلاتها وعلاقتها مع النشر، كما أن السيدة زهور ونيسي اهتمت بها ونشرت لها في مجلة الجزائرية وقد أفادتني ببعض المعلومات والتفاصيل المهمة لما التقيت بها أول مرة وأنا طالبة قادمة من وهران إلى الجزائر العاصمة سنة 76 ممثلة لعاملات وطالبات جامعة وهران في مؤتمر من مؤتمرات الاتحاد النسائي. طالبة لا زالت ترتب أوراقها الأولى في الكتابة وسعيدة بلقاء مناضلات ومجاهدات ومثقفات لا زالت ذاكرتهن تخبئ في أجمل ركن فيها وجوها ورموزا وأحداثا وأسرارا يستعصي الفصح عنها. امرأة وكاتبة شابة أول ما قرأت لها صنفتها في خانة مي زيادة التي كانت زادنا الإبداعي المدرسي الأول هي وجبران خليل جبران، وهي لا تختلف كثيرا في معاناتها وإحساسها النضالي عن فدوى طوقان ولا تختلف كثيرا في مواضيعها وأسلوبها عن الزهور ونيسي والطاهر وطار وبن هدوقة رغم حداثة سنها. تركت الوقت يشتغل لم أستعجله كثيرا لأنني أومن أيضا بالصدفة وبأمزجتها، وأنه لا بد أن نترك الوقت للوقت حتى لما نصر ونعاند على إنجاز شيء ما في الوقت الذي نحلم به بالذات. وجاءت المصادفة لما كان واسيني ينجز حصته التلفزيونية أهل الكتاب العدد الخاص بزوليخة السعودي حيث تكشفت لي معلومات مهمة وجديدة تخص الكاتبة سواء من طرف من عرفوها مباشرة أو عن طريق المراسلات ومنهم المرحومين الطاهر وطار والشيخ السائحي الكبير والمختص في جمع أرشيف الكتاب والمبدعين والفنانين الأستاذ المرحوم محمد لزرق الذي زرته في بيته ورحب بي بشكل جميل وبقلب كبير وروح سمحة ومشاكسة بشكل راق، منحني بعض صورها وأعدادا من جريدة الأحرار، كما وجهني إلى بعض الأسماء التي يمكنها أن تفيدني، كما دلنا على أهلها وأخبرنا أن ابنها وأختيها موجودون بالجزائر االعاصمة. زوليخا بدأت الكتابة وعمرها لم يتجاوز 15 سنة في مدينة خنشلة في الشرق الجزائري، كانت الجزائر لا زالت تعاني من ويلات المستعمر الذي حرم الجزائريين من كل نور، زوليخا التي تعلمت في سنواتها الأولى في الكتاب وبعدها في مدرسة جمعية العلماء المسلمين التي أغلق الاستعمار أبوابها وحرم الجزائريين من التعلم، لم تستسلم!! بالرغم من أنها بقيت محجوزة بين الأسوار في بيتهم، ومنذ ذلك السن أي 13 سنة وهي تعلم نفسها بنفسها عن طريق المراسلة والمطالعة ، سندها الوحيد هو أخوها محمد موسوعتها المتنقلة، الذي استشهد قبل الاستقلال بقليل!! ذهب في مهمة ولَم يعد!! تقول عن نفسها في رسالة للسائحي الكبير رحمه الله" وهل كانت حياتي إلا جفافا مريعا كنت أقاومه بنتفات تزيد في أساي.. ولا شيء سوى أشباح باهتة تبدو جد بعيدة وراء أميال ومسافات دون اجتيازها أهوال وأهوال.. ؟؟ وهل كانت حياتي أيها الأخ سوى حياة تعيسة تقاوم المرض والأسوار القائمة.. فيرتد إليها العجز يقيدها إلى مهاوي أحلك وأتعس.. حتى أشرقت هذه الصداقة الْيَوْمَ فحولتها إلى أمل وضاح مشرق" ويقول لها الروائي المرحوم الطاهر وطار في رسالة من رسائله " لعله من واجبي أن أناشدك باسم الأدب والأخوة والوطن، والقضايا المصيرية لثورتنا أن تعودي إلى الإنتاج أو بالأحرى إلى مواصلة نشر إنتاجك، وإنه من الإجرام الكبير أن تحجبي إنتاجك بعد أن فرض اسمك في عالم القصة ونال مكانته عن جدارة واستحقاق" زوليخا السعودي لم يحمل أي مكان ولا أية مؤسسة ثقافية اسمها وما عدا كتاب الدكتور أحمد شريبط أو حصة أهل الكتاب لم تنجز عنها أعمال ذات أهمية وحتى الملتقى الذي كان باسمها لم يعد قائما وحتى قبرها الموجود في برج الكيفان بدأت معالمه تغيب من شدة الإهمال . زليخا السعودي كانت الطفلة الحالمة والطموحة، المصرة على الوصول إلى مراتب أعلى في الإبداع، عرفت بذكائها ونباهتها وهي القارئة الجيدة والاستثنائية. في ذلك العمر كانت قد قرأت لأهم الكتاب، مبدية رأيها ونظرتها النقدية في منجزهم. كنت أعرف عن السائحي الكبير تشجيعه للأدباء الشباب وخاصة الأديبات وإحساسه المرهف بأوضاعهن أو معاناتهن، مما شجعني لسؤاله عن زوليخا السعودي لأنه هو من كان يذيع كتاباتها المتنوعة والمختلفة في الإذاعة. فاجأني لما قال لي بعد أن انتهى من تسجيل الحصة وجلسنا نشرب الشاي أن له أكثر من ستين رسالة بخط يدها، سألته وأنا في أعماقي مترددة خوفا من الإحراج، هل يمكنني أن أراها؟؟ تفاجأت وهو يقول لي ارجعي بعد يومين ، لما رجعنا وجدناه قد هيأ ملفا كاملا وضعه بين يدي قائلا: هذه رسائلها وبعض نصوصها احتفظت بها، هي أمانة بين يديك استفيدي منها وحافظي عليها بشرط واحد يا ابنتي، " ما ضري الحي ما ضري الميت" هذه الجملة أخرت ما أردت إنجازه عن زليخا إلى حد الآن ، كلما أقربه أخاف أن أجرح أنفاس زوليخا وأنفاس السائحي، رحمهما الله. واليوم صممت أن أنشر مختارات من هذه الرسائل والقصص التي كانت ترافقها وفاء لهذه الكاتبة التي أهملت حتى كادت تموت نهائيا.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.