الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من ولاه أما بعد: رمضان شهر الخير و البركة و مرتبط إرتباطا وثيقا بالصدقة، فرمضان شهر قراءة القرآن و إطعام الطعام، ولأن الصدقة في رمضان تحمل أبعادا دينية واجتماعية وأخلاقية وإنسانية، فلابد أن نعرف قيمة الصدقة في ديننا الحنيف، فأكثر الناس من يتهاون في شأن الصدقة، ولا يبالي بها، ويكتفي بأداء الزكاة، إن كان يؤديها، ووالله لو أدى المسلمون ما فرضه الله عليهم،من زكاة في أموالهم،ما رأيت فقيراً في المسلمين،فكيف لو تجاوز المسلمون ذلك،إلى إخراج بعض الصدقات تطوعا من حين ولآخر. ليس في حياة الناس كلِهم مرغوب أو مطلوب كالمال يقول سبحانه:زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ. وتأملوا إلى قوله تعالى: وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ يقول الضحاك بن مزاحم: القناطير المقنطرة، يعني: المالَ الكثير من الذهب والفضة. نقل الألوسي في تفسيره قال: وقيل: القنطار عند العرب وزن لا يحد،وقيل:ما بين السماء والأرض من مال وغير ذلك، ولأن القلوب جبلت على محبة المال وفطرت على الحرص على جمعه،كانت العلامة الفارقة والمحك الحقيقي لكل مدع للإيمان أن يخرج مما يحب لأجل من يحب،وبمقدار محبة من تتصدق لأجله تخرج الصدقة، فأنت لا تنظر للمحتاج بل تنظر لوجه من تخرج المال، ولو تسائل أحدنا عن سبب ترغيب المسلمين في الصدقة، واستحباب الإكثار منها، فإن الجواب يتعلق بفعل قلبي، فالله سبحانه وتعالى ينظر لقلب العبد ومتى وجد شريكا آخر في قلبك، أمرك أن تخرجه من قلبك، لأن القلب هو المحل الوحيد الذي لا ينبغي أن يكون لأحد فيه أثر سوى لرب البشر، من أجل هذا أمرنا ربنا أن نخرج من الصدقة مما نحب وجعلها علامة على البر والإيمان فقال سبحانه:لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ. ووصف المنافقين حال إخراجهم للصدقة بأنهم يخرجونها بالإكراه فقال: ولا ينفقون إلاّ وهم كارهون. فحالة قلب عند التصدق متعلق بصدقة التي لا يرغب أن تخرج من عنده فأصبح كارها للتصدق لأنه لا يريد لمحبوبه أن يفارقه، وإن تصدق اختيار ما تنازل عنه قلبه وعافه، وقد نهانا ربنا أن نخرج من الرديء والخبيث فقال: ولا تيمموا الخبيث تنفون ولستم بأخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه. أي لا تأخذونه لو أعطي لكم حتى تغمضوا أعينكم لفرط سوئه وخبثه، فالصدقة لا تخرج من يد الرجل حتى تخرج من قلبه ومتى كان القلب مهيأ للصدقة والبذل كان العطاء أكبر وأفضل وأحسن، ولنا في سيدنا إبراهيم عبرة حين اطلع ربنا على قلب سيدنا إبراهيم فنظر محلا لابنه في قلبه، فأمره أن يضحي به طاعة لأمره ونزولا عند رغبته، فما كان من سيدنا إبراهيم إلاّ أن أجاب وأناب وأفرغ محبة ابنه من قلبه ليجعله خالصا لربه،وأنت يا عبد الله مطالبا بجنس هذا الفعل، أي أنك مأمور بدفع المال الذي شغل حبه وجمعه وعده والحرص عليه، جاء أمر الله لك أن تصدق من مالك لتظهر حسن إسلامك، ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فأخرج لله من أموالك لتعطي برهانا على إيثار محبة الله على محب المال،ولتقدم أفضل برهان على إيمانك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ. أي برهان على إيمانك، برهان على محبتك، برهان على خلو الدنيا من قلبك، برهان على أن ما يملأ قلبك حقا هو الله جل وعلا، لأجل هذا وغيره كان للصدقة فضائل عظيمة ومزايا كبيرة من أهمها أن الصدقة تكون حجاباً بين الإنسان المسلم وبين النار،يقول الرسول صل الله عليه و سلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة،فإن لم تجد فبكلمة طيبة. حتى الكلام الطيب هي صدقة منك على الناس، تؤجر عليها إذا كان خالصة لوجه الله تعالى. إن في الصدقات خير عظيم وفضائل كثيرة عند الله عز وجل منها أن الله تعالى يقبل الصدقة،ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم ،كما يربي أحدكم مُهره،حتى إن اللقمة لتصير مثل جبل أحد.فأي فضل أعظم من هذا،اللقمة البسيطة من صدقة تخرج بإخلاص،تلقاها يوم القيامة مثل جبل أحد في ميزان أعمالك.ومن ذلك أيضاً أن المتصدق يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه،يوم لا ظل إلا ظله ،فذكر منهم(ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ،حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) ومن ذلك أيضاً،أن الصدقة تطفئ غضب الرب،كما صح ذلك عن رسول الله صل الله عليه و سلم أنه قال:(صدقة السّر تطفئ غضب الرب ،وصلة الرحم تزيد في العمر ،وفعل المعروف يقي مصارع السوء)والصدقة تقي الرجل الفتنة في أهله وماله ونفسه وولده وجاره.قال رسول الله صل الله عليه و سلم:فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره،يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وجاء في الحديث،أن كل امرئ يكون في ظل صدقته،حتى يقضى بين الناس. وأفضل مراتب الصدقات أن يتصدق الإنسان من أطيب ماله في وقت هو محتاج إليه،ومن أفضل الصدقات أيضاً تلك التي تكون في الأهل و الأقارب المحتاجين.كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله أنه قال:أربعة دنانير،دينار أعطيته مسكيناً،ودينار أعطيته في رقبة،ودينار أنفقته في سبيل الله،ودينار أنفقته على أهلك ،أفضلها الذي أنفقته على أهلك)لأن الصدقة على المسكين صدقة،بينما الصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة. أما بالنسبة للتجار،الذين يقضون جُلّ أوقاتهم في الأسواق،في البيع والشراء ويحصل لهم في تعاملهم مع الناس كثير من اللغو وكثير من الحلف لغير حاجة،وغير ذلك،فإن هؤلاء التجار أرشدهم الرسول صل الله عليه و سلم إلى الإكثار من الصدقة ليخفف عنهم كثير من اللغو والحلف،روى أحمد وابن أبي شيبة والحاكم في المستدرك والطبراني عن رسول الله صل الله عليه و سلم قال:يا معشر التجار،إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف،فشوُبوه بالصدقة)أي اخلطوه بالصدقة،وكذلك أرشد صل الله عليه و سلم النساء،بالإكثار من الصدقة لأنهن أكثر أهل النار،ولعل أن تكون هذه الصدقة نافعة لهن يوم القيامة،قال صل الله عليه و سلم:(يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار،إنكن تكثرن اللعن،وتكفرن العشير). ومن مجالات الصدقة أيضاً:أولئك الذين لهم مزارع وحدائق ونحوها ،لو احتسبوا الأجر عند الله ،فإن الطير لو وقع على هذه الأشجار،وأكل منها،حسبت له عند الله صدقة، روى عن أنس رضي الله عنه ،قال:قال رسول الله:(فلا يغرس المسلم غرساً،فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة)وفي رواية:(لا يغرس مسلم غرساً،ولا يزرع زرعاً،فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء،إلا كانت له صدقة). إنّ الصدقة والإحسان يدفعان البلاء والوباء، يقول ابن القيم رحمه الله:السبب الثامن للحفظ الصدقة والإحسان ما أمكنه فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد ولو لم يكن في هذا إلا تجارب الأمم قديما وحديثا لكفى به فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملا فيه باللطف والمعونة والتأييد وكانت له فيه العاقبة الحميدة فالمحسن المتصدق في خَفَارَةِ إحسانه وصدقته،عليه من الله جُنَّةُُ واقيةُُ وحصنُُ حصين. وهناك مجال آخر للصدقة لم يستثن منه أحد:وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي قال: على كل مسلم صدقة،قال:أرأيت إن لم يجد،قال:يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق،قال:أرأيت إن لم يستطع،قال:يعين ذا الحاجة الملهوف، قال:أرأيت إن لم يستطع،قال:يأمر بالمعروف أو الخير،قال:أرأيت إن لم يفعل،قال:يمسك عن الشر فإنها صدقة).