الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من ولاه أما بعد: المسلمون إخوة كما سماكم الله، يحب أحدهم لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه، يبذل خيره لأخيه ويكف عنه شره ولا يؤذيه، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله قال: (لا ضرر ولا ضرار) وهو يدل على تحريم الضرر والضرار، وقد دل الحديث على تحريم إيصال الضرر إلى الناس بغير حق في أبدانهم وأعراضهم وأولادهم وأموالهم، وفي الحديث الآخر:(من ضار ضار الله به ومن شاق شاق الله عليه).والمضارة بالناس على نوعين: النوع الأول: أن يضارهم في غير مصلحة تعود عليه في نفسه. وهذا لا شك في تحريمه وقبحه وقد ورد في القرآن الكريم النهي عن المضارة في مواضع: منها المضارة في الوصية، قال تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار.وفي الحديث عن أبي هريرة مرفوعا:(إن العبد ليعمل بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضره الموت فيضار في الوصية فيدخل النار) ثم تلا قوله تعالى:تلك حدود الله إلى قوله: ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: الإضرار في الوصية من الكبائر، ثم تلا هذه الآية. وذلك لأن الله توعده أن يدخله النار خالدا فيها، وذلك لا يكون إلا على كبيرة. والإضرار في الوصية على نوعين: النوع الأول: أن يوصي لبعض الورثة بزيادة على الفريضة التي فرضها الله لهم فيتضرر بقية الورثة، ولهذا قال النبي: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث).النوع الثاني: أن يوصي بزيادة على الثلث لغير وارث، فينقص حقوق الورثة، والنبي إنما رخص بالوصية بالثلث فأقل، فقال:(الثلث، والثلث كثير). ومن المضارة المنهي عنها في القرآن: المضارة في العشرة الزوجية، كالمضارة بمراجعة الزوجة المطلقة إذا طلقها ثم راجعها من غير أن يكون له رغبة فيها، وإنما قصده حبسها حتى تصبح لا هي ذات زوج ولا مطلقة. وفي الجاهلية كان الرجل يطلق المرأة فإذا قاربت نهاية العدة راجعها إضرارا، لئلا تذهب إلى غيره، ثم يطلقها، قال تعالى: فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه، وقال تعالى: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا. وقد دلت الأية على أن من كان قصده بالرجعة المضارة بالزوجة فإنه آثم بذلك. ومن أنواع المضارة في العشرة الزوجية المضارة بالإيلاء بأن يحلف على ترك وطء زوجته، وقد أمر الله أن يضرب له مدة أربعة أشهر، فإن رجع في أثنائها وكفر عن يمينه ووطئ زوجته كان ذلك توبته، وإن استمر على يمينه ولم يطأ زوجته حتى مضت أربعة الأشهر ألزمه الحاكم إما بالرجوع إلى وطء زوجته والتكفير عن يمينه، وإما بالطلاق، وذلك لإزالة الضرر عن الزوجة، قال تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم. ومن المضارة في العشرة الزوجية أن يطيل الزوج السفر من غير عذر، وتطلب امرأته قدومه فيأبى، وقد يفرق بينه وبين زوجته إذا طلبت ذلك دفعا للضرر عنها إن كان يهجرها مُددا طويلة. ومن أنواع المضارة الممنوعة في القرآن المضارة في المعاملات المضارة بالمدين المعسر الذي أمر الله بإنظاره إلى ميسرة أو إعفائه من الدين، قال تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون. فلا تجوز مطالبته ولا حبسه ما دام معسرا. كما لا يجوز أن يضار المدين الواجد بالدائن فيما طلبه من قضاء حقه. ومن المضارة المنهي عنها في المعاملات بيع المضطر، وذلك بأن يضطر الفقير إلى شراء سلعة، فلا يجد من يبيع له إلا بغبن فاحش، أو يضطر إلى بيع سلعة فلا يجد من يشتريها منه إلا برخص كبير. وقد روى أبو داود بسنده عن النبي أنه قال:(إنه سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه، ولم يؤمر بذلك)، قال تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم. وأن يبايع المضطرون وقد نهى رسول الله عن بيع المضطر، قال رسول الله:(إن كان عندك خير تعود به على أخيك، وإلا فلا تزيدنه هلاكا إلى هلاكه). وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن بيع المضطر: ما معناه؟ قال: يجيئك وهو محتاج، فتبيعه ما يساوي عشرة بعشرين. إنه لا مانع من البيع المؤجل بثمن أكثر من الثمن الحاضر للمحتاج وغير المحتاج، ولكن لا ينبغي أن يكون الزيادة كثيرة مجحفة، لا سيما إذا كان المشتري مضطرا إلى الشراء، فلا ينبغي أن تستغل ضرورته، لأن هذا إضرار يتنافى مع الرحمة والفضل بين المسلمين. النوع الثاني من أنواع الضرر الممنوع في الإسلام أن يضار الناس بما فيه له منفعة خاصة مثل أن يتصرف في ملكه بما يترتب عليه الإضرار بجيرانه، مثل أن يغرس في ملكه شجرا تتمدد أغصانها وفروعها على أملاك جيرانه، أو يفتح في جداره نوافذ تطل على جيرانه أو يعلي البناء عليهم فيمنع عنهم الهواء، والشمس إلى غير ذلك فإن هذا الضرر ممنوع تجب إزالته شرعا. وكذلك من أعظم المضار بالجيران أن يؤجر بيته لأناس لا يخافون الله، فإن هؤلاء يضرون الجيران ويضايقونهم وقد يؤثرون على أولادهم ومن خالطهم، وكذلكم يحرم تأجير الدكاكين والمحلات لبيع المواد المحرمة ومن الإضرار الممنوع في حق الجار: منعه من الانتفاع بملك جاره على وجه لا يضر به، كأن يحتاج إلى وضع خشبة على جدار جاره، والجدار يتحمل فإنه يجب على صاحب الجدار أن يمكنه من ذلك، لما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال:(لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبه على جداره)، وقضى عمر بن الخطاب على محمد بن مسلمة أن يجري ماء جاره في أرضه لما احتاج إلى ذلك، وقال: لتمرن بك لو على بطنك. ومن الإضرار الممنوع:مضارة الناس في طرقاتهم بوضع الأذى فيها، أو وضع ما يمنع المرور أو يسبب الحوادث، أو مخالفة أنظمة السير بما يعرض الناس للخطر، كل هذا ضرر محرم. وكما يحرم على المسلم أن يضر الناس يحرم عليه أن يضر نفسه،كأن يعرضها للخطر من غير مصلحة راجحة، قال تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. قد توعد الله من قتل نفسه بأشد الوعيد، قال تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا. وكذلك من تسبب في قتل نفسه أو إمراض جسمه أو الإخلال بعقله بتناول المسكرات والمخدرات وشرب الدخان والشيشة أو ما يعرف حاليا بالأرجيلا، فإنه متوعد بأشد الوعيد ومعرض لأشنع العقوبات في الدنيا والآخرة. ومن الإضرار بالنفس: التشديد عليها وتعريضها للمشقة في أمور العبادات، وقد شرع الله لعباده شريعة سمحة لا حرج فيها، فقال تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وقال: وما جعل عليكم في الدين من حرج. شُرع لأصحاب الأعذار من المرضى والمسافرين والخائفين أحكاما تخصهم في الصلاة والصيام وتتناسب مع أحوالهم،وشرع لعباده الاقتصاد في العبادة مع المداومة عليها، فخير العمل ما دام عليه صاحبه وإن قل. أخي الصائم ديننا الحنيف دين سمح ليس فيه ما يشق النفس تحملها و لا ما يجعلك تشق على الناس و لا أن تضرهم، فالإسلام كدين لم ينتشر بالسيف بقدر ما انتشر بالمعاملات الحسنة و الأخلاق الطيبة، وقد ورد عن النبي الكريم قوله: الدين معاملة. فمن لا معاملة له لا دين له. فصحح معاملاتك مع نفسك و مع الناس ما دمت في شهر التغيير.