بالرغم من بعض المبادرات المحسوبة على شخصيات تعد على الأصابع و التي كللت بالنجاح في كل مرة، يبقى مسرح الشارع من بين الاشكال المسرحية الأقل حضورا في الجزائر. ليس لأنه نوع جديد لم تألفه الجماهير بعد بل هو أعرق شكل في تقديم العروض المسرحية حتى قبل أن تظهر القاعة. حينما كانت قوافل العروض المتنقلة تجوب مختلف المجتمعات الغربية و تقدم في الساحات العمومية و الأسواق و الحدائق و غيرها من الفضاءات الطبيعية. و سجل حضوره في الجزائر إبان ثورة التحرير حينما كان مسرحيون يقدمون عروضهم في الشوارع، بعد منع إدارة المستعمر تقديمها داخل المسارح. هذا الشكل المسرحي الذي لا يزال شائعا و معمول به في المجتمعات الغربية ، بقي حضوره محتشما عندنا و ظل كذلك من دون أن يكلف القائمون على الفن الرابع أنفسهم عناء البحث عن الأسباب الكامنة وراء نقص مثل هذه المبادرات، بالرغم من نجاح المبادرات القليلة منها. مسرح الشارع أو المسرح المتنقل الذي يرمز إلى الحركة عكس ما هي عليه القاعة بجمادها يستهدف عامة الجماهير من دون تحديدها أو إعلامها مسبقا بمكان و توقيت العرض . و هنا كثيرا ما ينمي عنصر الصدفة و المفاجأة فضول المتلقي لمعرفة ما يخبيه العرض المسرحي. كما أنه يكسر الجدار الرابع الافتراضي بين الممثل و الجمهور التي تمثله خشبة المسرح من خلال إلقاء العروض المسرحية داخل حلقة تجمع الملقي و المتلقي في فضاء واحد. و بالرغم من التجهيزات و التقنيات الحديثة التي تتوفر عليها قاعة المسرح و المكونات التقنية والعناصر السينوغرافية والإكسسوارات ومناظر الديكور والماكياج والأقنعة والإضاءة، التي صممت لتزيد للعرض المسرحي جماليات و كماليات أخرى ، إلا أن مسرح الشارع يتميز بانفراده بتوظيف العوامل الطبيعية التي تعطي للعرض نكهة مختلفة عن تلك التي تعود عليها جمهور المسرح داخل القاعة. ثم ربما قد يكون هذا الأهم من بعض المهم الذي ذكرناه و هو الجانب المادي الذي كثيرا ما يقيض المشاريع الإبداعية و يربط مصيرها بما تتوفر عليه الفرق المسرحية من دعم مالي ، و على عكس هذا فإن مسرح الشارع لا يولي أهمية قصوى للجانب المادي أكثر مما يعتمد على مهارات الممثل في الارتجال لشد انتباه الجمهور و جعله يتجاوب مع العرض داخل فضاء شبه خال من الديكور و المؤثرات التي يعتمد عليها العرض المسرحي داخل القاعة . و من هذا المنطلق نستنتج أن هذا النوع من العروض المسرحية لا تؤثر عليه الأزمة المالية و لا سياسات التقشف كونه غير مكلف ماديا. ثم و بعد ذكر بعض العناصر الايجابية التي تحيط بمسرح الشارع ، ها نحن نصل ربما إلى الغاية المثلى من وراء هذه التجربة، و هي اكتساب جمهور وفي للمسرح ، و هنا أقصد جمهورا من عامة الناس لا جمهورا يقتصر في الغالب على المسرحيّين أنفسهم كما هو ملحوظ حاليا. هذه نقطة الخروج من نفق الروتين الذي يطبع العروض المسرحية و يجعلها متشابهة و متوارثة إلى درجة أفرزت نوعا من النفور لدى الجمهور . و لا يمكن الوصول إليها إلا عبر المسلك المؤدي إليها ، الكامن في الخروج عن الغرفة الإيطالية و النزول بالمسرح إلى الشارع . صحيح أن العملية هي بمثابة المغامرة لدى الكثيرين لكنها مغامرة معلومة العواقب و نتائجها إيجابية . فغياب الجمهور عن قاعات العرض لا يعني أن هذا الأخير لا يحب المسرح ، بل لا يزال متعلقا به رغم ابتعاده عنه ، و لا تتطلب عملية استعادته أكثر من النزول إليه.