استمر للجمعة الثالثة «الحراك الشعبي» الذي منح لبعض الفئات الاجتماعية شيئا من الجرأة و منصة للتعبير عن انشغالات سياسية مختلفة تحت عنوان رئيسي هو معارضة العهدة الخامسة , وهكذا رأينا بين الجمعتين , حراكا بل عدة حراكات شملت الطلبة والأساتذة و التلاميذ والمحامين و الصحافيين و الأطباء , و كذلك المعارضة ممثلة بعدد من الأحزاب مدعمة ببعض التنظيمات النقابية و الشخصيات السياسية , و ما استجد في تعاطي كل هذه الفئات مع الأزمة التي نجمت عن مشاركة الرئيس المنتهية عهدته في الاستحقاق الرئاسي المقبل , هو أن المعارضة التي كانت تلتف على رئيس البلاد , طالت مترشحين آخرين رفضوا الانسحاب من الترشح للترشح , حيث انفض من حولهم من تسابق بادئ الأمر للمساندة و الدعم. عندما أردت أن أعرف لماذا يصر المشاركون في الحراك على السير عبر الشوارع , اضطررت إلى متابعة إحدى المسيرات منذ انطلاقها , حيث تبين أن المسيرة تبدأ بمجموعة محدودة من المتظاهرين , و لكن خلال مسيرتها عبر الأحياء و الشوارع ينضم إليها متظاهرون آخرون , بحيث أنها عندما تعود إلى نقطة الانطلاق تكون قد جرت معها العديد من الشباب والكثير من الأطفال كذلك. ورغم تصادف الطبعة الثالثة من الحراك مع عيد المرأة , إلا أن حضورها كان محتشما, واقتصر أحيانا ببعض الزغرودات المنطلقة من شرفات المساكن التي تمر بها المظاهرة , وقد يفسر ذلك بكون المرأة كانت أكثر الفئات استفادة من قرارات الترقية السياسية والاجتماعية لمكانتها ودورها في العقدين الأخيرين. سوف لن أتطرق لمطالب المعارضة التي جمعتها مرة أخرى «معاداة السلطة», بل «معاداة شخص», لأنها مطالب تخرج البلاد من حكم المؤسسات الدستورية والقانونية -التي مهما كانت نقائصها فهي تتمتع بالشرعية - إلى حكم الهيئات الانتقالية التي لا تستند إلى أية شرعية من منطلق أن الشرعية يمنحه الشعب ليس عبر المسيرات والوقفات, ولكن عبر العمليات الانتخابية. ولكن لا بد من تعليق بسيط على مطلب سمعناه ممن التحق بركب الحراك الشعبي من شخصيات معارضة, ويتمثل في حل أو تعليق عمل المجلس الدستوري, وهو مطلب «يريح الفرطاس من حك الراس», لأنه الهيئة التي تجمع كافة السلطات الدستورية , التنفيذية والتشريعية والقضائية , فضلا عن كونه الهيئة التي تفصل في الخلافات القانونية والدستورية , ومنها مطالب المعارضة و الحراك الشعبي. أما الانقسام الحاصل حول ترشح الرئيس المنتهية عهدته , فستظل صناديق الاقتراع هي الفيصل في الأمر , والذي يتساءل أين الموالين لمثل هذا الترشح ,فهو دون شك يريد أن يتحول الحراك السلمي إلى مواجهات بين فريقين, وهو ما يعيد البلاد إلى مربع العنف الذي لا تحمد عقباه, والذي ينأى معظم الجزائريين والجزائريات بأنفسهم عنه, لأنهم أضحوا يميزون بين الحراك وبين العراك, بين الحركة وبين الاضطراب, وأصبحوا يدركون بالتجربة المرة للعشرية السوداء, أن البقاء تحت سقف الشرعية هم صمام الأمان .