مر اليوم العالمي للمسرح هذه السنة على الجزائر و هي تعيش على وقع انتفاضة شعبية حولت شوارع المدن و ساحاتها إلى فضاءات لعروض من نوع خاص. تلك اللوحات الاستعراضية و لو أنها تشبه إلى حد بعيد العروض المسرحية في طرحها المناهض لكل أشكال الحقرة و الظلم الاجتماعي، إلا أن الذي ميزها عن العروض التي ألفناها هو أنها هذه المرة خرجت عن العرض التقليدي الذي كان يميز بين الملقي و المتلقي. إذ أن الجماهير هي نفسها التي كانت تلقي الشعارات و تتلقاها. ثم أنها خرجت أيضا عن العلبة الإيطالية لتجعل من الشوارع و الساحات العمومية منصة لها، كما أنها جعلت من الرايات الوطنية ديكورا و الشعارات خطابا من النوع الخاص لعرضها. و هذا ما جعل اليوم العالمي للمسرح وهو يحل علينا، يقف مذهولا و هو يكتشف لأول مرة و على غير عادته عرضا يشبه المسرح و لكنه ليس بمسرح ، عرض خرج أصحابه عن النسق القديم واعتمدوا أسلوب طرح جديد يجتمع فيه الملقون و المتلقون في آن واحد ليكونوا أبطال هذه الفرجة الجماهيرية. حيث لا يعلو صوت فوق صوت التغيير ، بتعبير أرقى من كل تعبير. و أكثر من هذا و ذاك هو ذاك السلوك الحضاري التي تميز به صناع الحراك. لا سب و لا شتم و لا ألفاظ سوقية ولا شغب و لا حتى غضب ، بل مسيرات سلمية بلغة شاعرية مسرحية تحمل أكثر من دلالة على نضج شرائح المجتمع وسموهم الفكري والأخلاقي. حدث هذا في اليوم العالمي للمسرح لسنة 2019. و كما ذكرت آنفا لا يمكن أن نفسر هذه النقلة النوعية إلا بالنضج الفكري و درجة الوعي التي وصل إليها أفراد المجتمع. و هنا تحضرني المقولة الشهيرة « أعطيني مسرحا أعطيك شعبا عظيما «، قد يتساءل البعض لماذا ربطت الحراك الشعبي بالمسرح؟ لهؤلاء و أولئك أقول أن أصل المسرح إنسان رفض التبديد والتمديد و رافع من أجل الجديد و التجديد. فإنه و منذ نشأته الأولى ارتبط المسرح بهموم جمهوره وقضاياهم وأحلامهم وتطلعاتهم. و سار مع رغبة الجماهير في حياة أفضل داخل بيئة أفضل. و من ثمة أصبح المسرح نقطة بداية كل تغيير نحو الأحسن فالأحسن. وليست هذه هي المرة الأولى التي يلهم فيها المسرح الجماهير بضرورة التغيير ، و لأبي الفنون مساهمات جليلة في إيقاد شرارة ثورة التحرير المجيدة، و أخرى تلتها رفضت واقعا معيشي متردي. و كما كان بالأمس ها هو المسرح اليوم وفيا لخطه و قناعاته. هكذا احتلّ المسرح قلوب الجماهير و هكذا سار على نهج العظماء ليصنع من الجزائريين و الجزائريات شعبا عظيما. إنها الرسالة التي وجهتها جماهير المسرح للمسرح في يومه العالمي.