يرى الشاعر الجزائري عمر أزراج أن معظم أنطولوجيات الشعر العربي التي ترجمت إلى اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والروسية قد تمت على أساس العلاقات العامة وليس على أساس الاستحقاق الإبداعي المختلف والمجدد، والذي ذهب ضحيتها الشعر في شمال أفريقيا. قال عمر أزراج في مقال له صدر بجريدة العرب اللندنية أن اكتشافه لهذا المشكل جاء منذ عدة سنوات حين أرسل إليه زميل صحافي وأديب لبناني، وهو جاد الحاج، من أستراليا نسخة من أنطولوجيا الشعر العربي الحديث المترجمة إلى اللغة الإنجليزية من طرف مستعربة أسترالية، ولاحظ خلالها أن عددا من قصائد أهم الشعراء العرب في شمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط غير متوفرة في تلك الأنطولوجيا. مشيرا في السياق ذاته أن اختيار القصائد المنشورة فيها لم يخضع لمعيار التمثيل الشعري الحقيقي لأجيال الشعراء وللمراحل التي مر بها الشعر العربي الحديث في مختلف الدول العربية، بل جاءت عملية الانتقاء تلك على قصائد نخبة معينة ومكرسة من شعراء المشرق العربي بشكل مفرط، مع إهمال لتجارب شعراء شمال أفريقيا. وأمام هذا التحيز الأدبي يرى الشاعر بأن الشأن السياسي لعب دورا مهما في عملية انتقاء الشعراء، مضيفا بإن العلاقات الشخصية ونفوذ البلد الأدبي قد كان لهما ضلع في تلك العملية، وهو الأمر الذي جعل حضور الشعر العربي في اللغات الأجنبية انتقائيا وغير مؤثر في الوقت نفسه في بانوراما الحساسية الشعرية في الدول الأجنبية التي ترجم إليها. شعراء شمال أفريقيا ضحايا الترجمة العشوائية إلى اللغات الأجنبية من جهة أخرى كشف كاتب المقال أن في المدة الأخيرة حاول الاطلاع على عدد من أنطولوجيات الشعر الأفريقي الصادرة باللغة الإنجليزية ببريطانيا وأمريكا عن دار نشر لين راينر، وقال أن ما شد انتباه أنها لا تزال تواصل تكرار نفس الخطأ، من بينها أنطولوجيا “الشعر الأفريقي الجديد” الصادرة ببريطانيا وأمريكا على نحو متزامن، وهي من إعداد وتحرير تنور أوجاييد وتيجان صلاح وترجمة عدد متنوع من المترجمين. إلى جانب مختارات لشعراء من الدول الأفريقية السمراء فقد احتوت هذه الأنطولوجيا على قصائد من تونس والمغرب ومصر والسودان، وليس هناك ذكر لأي شاعر جزائري أو موريتاني أو ليبي علما أن الجزائر وليبيا وموريتانيا تنتمي إلى شمال أفريقيا أيضا. وزيادة على ذلك فإن حصة الأسد قد منحت للجيل الثالث من شعراء مصر وعددهم أربعة شعراء، في حين اكتفى معدا ومحررا الأنطولوجيا المذكورة بنشر قصيدة واحدة للشاعر السوداني الراحل محمد عبد الحي وسبعة قصائد للشاعرين التونسيين وهما محمد الغزي وأمينة سعيد، وقصيدتين للشاعرين المغربيين محمد بنيس ورشيدة مدني. مشيرا إلى أن تونس والمغرب والسودان والجزائر وليبيا وموريتانيا شعراء آخرين مهمين وربما أكثر تمثيلا للحداثة الشعرية العربية في الفضاء المغاربي ولا أحد يدري لماذا تم تجاهل شعراء الجزائر وموريتانيا وليبيا ولماذا وقع الاختيار على شاعر واحد من السودان وشاعرين من المغرب وشاعرين من تونس فقط. وبخصوص اختيار النصوص التي تقصد للترجمة قال الكاتب بشأنها “صحيح أن ترجمة الشعر من لغة أخرى هي فعل صداقة مع الثقافات الأجنبية ومخيال شعوبها، كما أن مترجم الشعر يدرك منذ البداية أنه مورّط في شبه خيانة للأصل، وأن النص الجديد الذي يضعه على الورق هو ملحق لذلك الأصل فقط، ويدرك أيضا أن النصوص الأصلية ذاتها هي مجرد ملحقات للحياة التي عندما نقترب من أصلها يكون الموت قد اقترب منا” مضيفا” ولكن المشكلة التي تطرحها هذه الأنطولوجيا ليست مختزلة في قضية القدرة على الوفاء لأصالة هذه القصيدة أو تلك القصيدة الأخرى، بل هي تتصل جوهريا بأخلاقيات احترام تراتبية وتنوع التجارب الشعرية في هذه الدولة أوتلك”. واختتام الكاتب مقاله بأن الاختيار العشوائي لأنطولوجيات الشعر العربي أو لشعر شعراء شمال أفريقيا يحتاج إلى التدخل النقدي لدى دور النشر الغربية التي تقوم بمثل هذا العمل السلبي وذلك لتصحيح الموقف كما ينبغي أن يقودنا إلى طرح هذا السؤال: أليست اتحادات كتابنا ووزارات الثقافة ببلداننا التي تتنزه على مثل هذه العشوائية طرفا مسؤولا عن التمثيل السيء لتجاربنا الشعرية في مثل هذه الأنطولوجيات وغيرها.