ينظر الإسلام إلى المرأة كونها تعلب دورا أسريا في الأساس كونها الأم والأخت والزوجة، وأنّها شريكة الرجل في تحمل مسؤوليات الحياة، تكابد وتكافح من أجل وضع بصمة واضحة ومُشرّفة، في سجل ميادين الحياة، وهي في كفاحها الطويل تعاني الكثير من المخاطر، والظروف الصحيّة القاسيّة، والاضطهاد والعنف، لذلك قرّرت منظّمة الصّحة العالميّة لفت الانتباه إلى الأوضاع الخطيرة، التي تحيط بالنساء، وخاصة في الدّول الفقيرة، أو التي تعاني من التوترات والحروب، فقرّرت تخصيص يوم الثامن والعشرين من ماي ليكون يوما عالميا من أجل تنمية صحة المرأة، فعلى الرغم من بعض التقدّم الملموس، إلا أنّه لا تزال المجتمعات في جميع أنحاء العالم مقصّرة في حق المرأة في المراحل الأساسية من حياتها، ولاسيما في مرحلتي المراهقة والشيخوخة، وهذا ما خلُصت إليه تقارير "منظمة الصحة العالمية". أسماء زبار وبمناسبة هذا اليوم ارتأت "الحياة العربية" أن تسلّط الضوء على واقع صحة المرأة في الجزائر، من خلال محاولة معرفة أهمّ المشاكل الصحية التي تعاني منها المرأة في جميع المجالات الفزيولوجية والنفسية والاجتماعية والروحية. .. المجتمع لا يزال ينظر للمرأة بسلبية سألنا سعاد معلمة، عن الموضوع فقالت "المرأة في مجتمعنا الجزائري تعاني من ضغوطات عديدة تؤثر على صحتها، فالعاملة مثلا تتحمّل مشقة الشغل والتعب وغيرها ما يؤثر على صحتها الفزيولوجية، إضافة إلى الضغوطات النفسية والاجتماعية وأنا شخصيا أفضل المكوث بالبيت لكن غلاء المعيشة والمسؤوليات الأسرية حتمت عليا الخروج للعمل، المرأة تستغل في مجتمعنا بطرق عديدة مباشرة وغير مباشرة، والمؤسف في الأمر تعرف باستغلالها لكن لا تستطيع التمرّد لأنّنا في مجتمع محافظ ينظر للمرأة دائما بالمنظار السلبي فقط. أمّا حميدة مقتصدة، فقالت في الموضوع، "للأسف في عصر التقدّم الحضاري والتكنولوجي، وفي بلد مسلم وفي مجتمع محافظ مثل المجتمع الجزائري، ما تزال المرأة تعيش تحت وطأة الظلم، العنف، التهميش، وعدم الاحترام، وأكبر مشكل في نظري أنّ المرأة في الجزائر لا تعرف حقوقها من واجباتها". أما السّيدة آسيا ربة بيت، فقالت " يجب أن يعطى للمرأة حقها في الاحترام قبل كلّ شيء، هذا الحق الذي تحتاجه النساء اليوم خاصة مع تغيّر المجتمع الذي أصبح ماديا بالدرجة الأولى، المرأة هي الأم والأخت والبنت والزوجة، كيف يمكن استغلال من هن في حاجة إلى الرعاية والأمن الاحترام". من جهتها قالت حسيبة ماكثة بالبيت، "المرأة في الجزائر تعاني من ضغوطات عديدة نفسية واجتماعية تؤثر على صحتها، فكثيرا من الأمراض العضوية التي تصاب بها المرأة سببها الرئيسي الأزمات النفسية، على المرأة أن تهتم بصحتها و تعتني بنفسها من جميع الجوانب". .. فقر الدمّ .. السّكري وارتفاع ضغط الدمّ تفتك بالنساء والسّرطانات مرض العصر قالت الدكتورة بن عراب مليكة، مختصة في طب النساء والتوليد، أنّ المرأة تعاني من مشاكل صحية عديدة في وقتنا الحالي، وأبرز الأمراض التي باتت تهدّد صحتها هي ارتفاع ضغط الدم، والسكري، إضافة إلى الالتهابات الجرثومية التي تصيب النساء بكثرة لأسباب عديدة، وأضافت الطبيبة إلى أنّ فقر الدم بات يشكّل المرض الأول الذي يصيب المرأة بعد الولادة وهذا ناجم عن التغذية غير المتكاملة. وأكّدت المتحدّثة أنّ نسبة سرطان الثدي عند النساء في ارتفاع مستمر، وهو عبارة عن تورّم خبيث يصيب بعض الخلايا التي تتكاثر بشكل عشوائي و يمكن أن تنتقل إلى أعضاء أخرى من الجسم و تكون ضارة، وأورام الثدي هي أكثر الأورام شيوعًا عند النساء، وإذا كانت 90% منها أورام حميدة إلا أنّ 15% من أورام الثدي هي أورام خبيثة 'سرطان' سبب هذا السرطان غير معروف، ولكن هناك عوامل منها، الوراثة، الفيروس، نوعية الأكل، الهرمونات، وتوجد كذلك عوامل تزيد من إمكانية ظهور الإصابة بهذا السرطان منها، التقدم في العمر، الحمل بعد سن الثلاثين، ابتداء الدورة الشهرية قبل سن الثانية عشرة، استمرار الدورة الشهرية لما بعد سن الخمسين، السمنة، حدوث سرطان الثدي عند الأقارب. وأكّدت المتحدّثة أنّه تبيّن وجود علاقة بين سرطان الثدي وسرطانات أخرى عند المرأة مثل سرطان المبيضين، والحقيقة أنّ 75% من الإصابات بهذا المرض لا يمكن ربط ظهورها بأي من العوامل المذكورة. .. الكآبة والطلاق العاطفي يصيبان المرأة بأمراض نفسية خطيرة أكّد المختص النفسي بولقرع مخلوف للحياة العربية، أنّ المرأة في المجتمعات المعاصرة تعاني من مشاكل صحية عديدة، خصوصا من الجانب النفسي، فالدّراسات الأخيرة تشير إلى أنّ المرأة في المجتمعات خاصة منها الشرقية تعاني أكثر من الاضطرابات النفسية بأنواعها المختلفة خاصة الكآبة والقلق، وتعود هذه الأسباب إلى عوامل مختلفة أهمها ممارسة عقدة الذكورة والقمع الموروثة اجتماعيا في ثقافاتنا، والراسخة في ذهنية الرجل الشرقي بشكل عام، كما أنّ المرأة في حدّ ذاتها ترعرعت وانغمست في ذهنيتها أنّ الذكر هو السلطة المطلقة وهي من واجبها الطاعة والتبعية في كلّ الأمور. وأضاف المختص أنّ المرأة في مجتمعنا الجزائري تعاني من مشاكل نفسية أبرزها، الكآبة، فالمرأة أكثر عرضة للكآبة، خاصة الكآبة المقنعة، فصورة الكآبة التي تعانيها تتسم بأعراض اضطرابات وظائف أجهزة الجسم المتعددة، أي اضطرابات نفسية تظهر بشكل عضوي، وتتجسد في آلام جسدية، واضطرابات في وظائف الأعضاء كالجهاز الهضمي، والمفصلي، والصدر. إضافة إلى مشكل آخر وهو الاضطرابات النفسية في حالات الحمل والولادة ، وتمتاز نوع الكآبة بعد الولادة باضطراب النوم والشهية للطعام، و تدني القدرة على مواجهة المسؤولية الجديدة للعناية بالطفل ورعايته، الحزن والخوف الزائد على المولود، وأحياناً تصل إلى كراهية المولود. وأشار المختص إلى مشكل آخر نفسي لا يقل أهمية هو الطلاق العاطفي، وهو واقع حياتي مؤلم يحتاج إلى معالجة الطلاق العاطفي وآثاره على الأسرة والمجتمع، خاصة المرأة التي قد تصاب بأمراض نفسية خطيرة بسبب هذا الطلاق الذي يسبّبه الرجل في الدرجة الأولى. ... العانس تظلم في أسرتها والمرأة العاملة تستغل من زوجها والإدارة من جهته قال المختص الاجتماعي محمد طويل، بخصوص اليوم العالمي من أجل صحة المرأة، أنّه ينبغي معرفة خصوصيات هذا الكيان من جميع النواحي الاجتماعية، النفسية، والصحية، والروحية، لأنّ الاطلاع على هاته الجوانب التي تختلف تماما عن الرجل يمكّن من فهم الشخصية الحقيقية للمرأة. وأكّد المختص للحياة العربية، أنّ فهم المرأة من الناحية الاجتماعية، يكمن في تقدير دورها الكبير في بناء الأسرة والمجتمع، فهي تعتبر نصف المجتمع ولا يمكن أن يقوم هذا الأخير دونها. كما أنّه أصبح للمرأة دور فعال في المجتمعات المعاصرة، حيث أنّها باتت تتحمّل مسؤوليات كبيرة على عاتقها مقارنة بالماضي. وأشار المتحدّث إلى أنّ استغلال المرأة اليوم بات يشكّل خطرا عليها من نواحي عديدة، خاصة وأنّ هذا الاستغلال بطريقة غير مباشرة، فالكثير من الرجال يتزوجون بالنساء العاملات طمعا في راتبهن وتحمل مسؤولية الأبناء والمعيشة بدلهم، وأكّد الأستاذ أنّ طبيعة المرأة لا تستطيع مقاومة بعض الوظائف خاصة الحديثة منها، فالوظائف الإدارية مضرة بصحتها لأنّها تقلل من نسبة الحركة عند المرأة هذا ما يؤثر على صحتها ويتسبّب في أمراض عديدة لها كالسّمنة لجلوسها لساعات طويلة، وتناولها لمأكولات مضرّة. كما أن ظروف العيش الحديثة والضغوطات التي تعاني منها المرأة دفعتها إلى الخروج للعمل، فتصبح تواجه أعباء الحياة من جهة ونظرة المجتمع من جهة أخرى، ما يتسبّب في إصابتها بأمراض عديدة سواء كانت نفسية أو عضوية. وأشار الأستاذ أيضا إلى مشاكل أخرى تعاني منها المرأة، فهي معرضة للكثير من المخاطر أثناء الولادة، وعدم قيامها بالرياضة يجعلها عرضة للسمنة وغيرها من الأمراض، إضافة إلى معاناتها من الضغوطات الأسرية بسبب العنوسة مثلا. وأكّد المختص في حديثه أنّه يجب القيام بحملات تحسيسية للاطلاع على مميزات المرأة واحتياجاتها والإكثار من طرق التوعية والإرشاد التي تخدم صالح المرأة. .. سلامة وصحة المرأة الحقيقية تكمن في صحة كيانها الإنساني في اليوم العالمي من أجل تنمية صحة المرأة، نؤكد على أنّ صحة المرأة شقّان وجانبان لا واحد، وبالتالي فأي تنمية لصحة جسمها بمعزل عن صحة معنوياتها وأفكارها ومشاعرها لن تُأتي أكلها ولن تحقق السّعادة لها ولا لغيرها. ونحن هنا عندما نتكلّم عن صحة المعنويات والأفكار والمشاعر المتعلّقة بالمرأة، فإنّنا لا نعني الصحة النفسية بمفهومها المتعارف والشائع وإن كانت تندرج تحتها بالضرورة، بل ما نعنيه حقيقةً أشمل وأوسع من ذلك، وهو يدخل في إطار المفاهيم والقناعات ونظرتها لنفسها ومستوى الرضا الذي تشعر به في ما يخص ذاتها وحياتها، وكذلك من جانب آخر يدخل فيه نظرة المجتمع إليها وتعامله باتجاهها . إن السّلامة والصحة الحقيقية للمرأة هي في صحة كلّ المنظومة التي تشكّل كيانها الإنساني، حيث جسدها وعقلها ومشاعرها ومعنوياتها..إلخ، وحتى في نظرة المجتمع وتعامله باتجاهها والذي يضرب بشكل مباشر صحتها المعنوية. وبالتالي كلّ الاهتمام والرعاية لا بدَّ أن ينصبا حول تلك الجوانب مجتمعة، لتظفر المرأة بحياة صحية سليمة تنعكس على أدائها وعطائها وكذلك على أبنائها وكلّ من حولها.