الحلقة 26 أبو العباس برحايل كانت تلك البنت التي عرضتها علي المرأة الماجنة هي أخت صنوي الطيب بن سديرة وصاحبي الذي قرنني به سيدنا في مستوى واحد فلا يمحو أحدنا لوحته ما لم يحفظ صنوه الآخر لوحته، وقد غادر إلى مدرسة في قرية تسمى سفيان بفضل والده الذي كان قاضي المنطقة ليتعلم الدرس والعلم !.. فخمدت جراء غيبته همتي أياما؛ وحزنت لفراقه إذ امتدت الصحبة إلى خارج حصيرة الجامع؛ كان أصغر مني بشهرين؛ وأقصر مني قامة؛ ولكنه يتسم بصفات قيادية استمدها من والده الذي لا ينازعه أحد بالدوار في الوجاهة والزعامة؛ وخاصة بعد أن تبوأ في نظام الثورة منصب قاضي المنطقة؛ وهو رجل رغم إجلالي له في كل أحواله؛ رأيته بحسي الطبيعي المناهض لكل جبروت وطغيان؛ ورغم صغر سني أنه لم يكن رجلا عادلا ولا في مستوى ما يتبوؤه من مكانة.. فقد تبادل في وقت سابق على الثورة قطعتي أرض مع جدي؛ إذ كانت قطعته أمام بيت جدي مباشرة .. ولكنه حين رأى القطعة وقد استصلحت وسمدت وباتت أرضا خصبة تأتي بحصاد وفير .. تراجع ناكثا عهده عن التبادل بعد سنوات؛ واسترد تلك القطعة بالفعل حين تصادف أن رأى زرعها مرة وقد علا ساقه واستوى شطأه، وتم التضييق على جدي من خلال ذلك الاسترداد لأن القطعة تقع أمام البيت مباشرة .. كما أنه استغل منصبه في النظام مرة وأقام ما يسمى بالتويزة وجند لها كل من في الدوار لحصاد زرعه؛ بما في ذلك المنخرطين في الثورة من مسبلين وفدائيين ..علما أنه رئيس لأسرة كبيرة فيها عدد كبير من الأفراد القادرين على الحصاد ولديه خماس دائم؛ ولا ضرورة لمثل تلك التويزة.. إنها تويزة تذكر فقط بالتويزة التي كان ينظمها القايد عمار لصالح عشيرته قبيل اندلاع الثورة.. وقد كان القايد أيضا يستغل منصبه ويجمع رعيته يسخرهم تسخيرا ليحرثوا له أرضا ليست أرضه ثم يحصدون ما زرعوا ويدرسون ويصفون وأخيرا تأتي قافلة جمال من عشيرته المقيمة قرب بريكة فتأخذ تلك الحبوب مجانا دون أن ينفق عليها فرنكا واحدا .. وقد رأيته ذات عصر يرقد على ظهر مقعد خشبي أمام بيت الحانوت الذي كان هو بيت الضيوف أيضا متميزا على بقية الفلاحين المفترشين لحصر الحلفاء أو حتى لأديم الأرض الذين حصدوا له الحقول وجاءوا لتناول وجبة الغداء المتأخرة التي سُخر جدي ليقدمها على شرف القايد. استعدت حيويتي وثقتي في نفسي رغم مفارقة صنوي لي؛ ورغم الجرح العميق الذي تركته تجربة المدرسة المرة في أغوار نفسي وقد زرعت في وجداني سوء التقدير لقدراتي والإحساس بالدونية وقلة الجدارة. وتمكنت من ختم القرآن وأقام أهلي مأدبة عشاء لسيدنا.. الطالب وللقدادشة؛ ولكن حين جاء دور التلاوة؛ كنت أهمهم وأتمتم وكنت نسيت أغلب ما حفظت !..