على غرار السنوات الماضية تهافتت العائلات الجزائرية على الأسواق تأهبا لاستقبال شهر رمضان الفضيل بكل لهفة، لكن ما يلاحظ أن هذه الأخيرة تدفعهم للاقتناء بطريقة فوضوية متناسين ما قد يخلفه سلوكهم هذا، من فوضى في الأسعار والأسواق حيث باتت ترجح احتمالية عودة سيناريو ارتفاع الأسعار مع قدوم كل موسم رمضاني، وما تأخذه لهفته من أبعاد اقتصادية غير مستحبة قد تصل لخلق نوع من الندرة خاصة على مستوى المواد واسعة الاستهلاك، لتتضاعف حمى التبضع والشراء في الأسبوع الأول من رمضان لمسناها في عديد الأسواق، وبين هذا وذاك تتخبط الوزارة الوصية سنويا في محاولات ضبط السوق الجزائري والتحكم في زمام أموره، ليكشف الخبراء الاقتصاديون من جهتهم عن خسائر مادية كبيرة تتكبدها جيوب الأسر الجزائرية والخزينة العمومية على حد سواء، فيما أجمع مختلف الشركاء الاقتصاديين على غرار الاتحادية الوطنية لحماية المستهلك وجمعية حماية المستهلك ليومية "الحوار" على ضرورة تفعيل الأسواق الجوارية وفوترة معاملات التجار ضمانا لاستقرار الأسعار في ظل زيادة الطلب. ميزانية الشهر الفضيل قد تصل ل15مليون سنتيم للأسرة الواحدة في السياق وصف المحلل الاقتصادي أمحمد حمدوش، اللهفة التي تتمالك المواطنين بالسلوك غير العقلاني، مؤكدا على تأثيرها لا محالة في ارتفاع الأسعار التي تسير بقانون العرض والطلب الذي تحتكم إليه الأسواق العالمية، معتبرا فوضى الاقتناء بالحمى العابرة التي سرعان ما ستزول في الأسبوع الثاني من شهر رمضان، مرجعا الأمر للتخوف من الشهر الفضيل الذي ينعكس على سلوكهم الاقتنائي وبالتالي ستعرف الأسعار نوعا من التذبذب الخفيف لكن سرعان ما تستقر في الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، لاغيا احتمالية خلق هذه اللهفة العابرة للندرة باعتبار أن للجزائر أراض فلاحية وافرة. هذا وأكد ذات المتحدث أن نسبة 50% من دخل الأسر الجزائرية تخصص لإشباع حاجيات الأكل، لتهدر 20بالمئة من ميزانية الأسرة الواحدة منها نتيجة الجشع في الاستهلاك أي تبذير ما قيمته 6 آلاف مليار سنتيم خلال شهر رمضان، أما فيما يخص قيمة خسارة الدولة فستكون مضاعفة على مستوى المواد المدعمة من قبل الحكومة الجزائرية والتي ستهدر من الخزينة العمومية هباء منثورا خاصة فيما يتعلق بالخبز الذي تزداد نسبة استهلاكه بل وتبذيره في شهر رمضان، حيث ستقدر قيمة الخسارة أو التبذير في هذه المادة الاستهلاكية ما يقدر ب60 مليون سنتيم فقط في حالة تبذير خبزة واحدة لترتفع القيمة لمليار و800 سنتيم خلال شهر فقط في حالة تبذير خبزة واحدة فقط.
حمى الاقتناء ستساهم في زيادة الطلب على المنتجات بطريقة غير عقلانية فيما أشار في السياق ذاته الخبير الاقتصادي ديب كمال في حديثه ل "الحوار"، لآخر الدراسات التي أقيمت على مستوى جامعة تيبازة التي سعت لمعرفة معدل تكاليف الإنفاق في الشهر الفضيل، حيث أكدت الدراسة على تضاعف النفقات الرمضانية ب 3مرات مقارنة بباقي أيام السنة، أي إذا كان المواطن الجزائري خلال الأيام العادية ينفق ما قيمته 5ملايين سنتين فإن المصاريف تصل ل15مليون سنتيم خلال شهر واحد من رمضان، لتزيد هذه المصاريف بزيادة لهفتهم الاستهلاكية، من هذا الباب انطلق متحدثنا لتحليل ظاهرة اللهفة المصاحبة لشهر رمضان من زاوية نفسية اقتصادية، معتبرا الأسباب الذاتية التي تصدر من نفس المستهلك المحرك الأساسي لمثل هذا النوع من الاستهلاك أكثر من كونها تحتكم لأسباب اقتصادية، منوها للخسائر الكبيرة التي تدفعها الأسرة الجزائرية كثمن لفوضى الاقتناء والتي تتعدى ميزانيتهم الشهرية بكثير، أما فيما يخص التبذير المصاحب للشهر الفضيل فقد كشف ذات المتحدث عن خسارة ما قيمته راتب شهر كامل للأسرة الواحدة من ميزانية شهر رمضان، مؤكدا من جهة أخرى على أن حمى الاقتناء المنتشرة خلال هذا الشهر ستساهم في زيادة الطلب على المنتجات بطريقة غير عقلانية الأمر الذي يؤدي بالضرورة للتلاعب بأسعار الخضر والفواكه والسمك دون المساس بأسعار المواد المدعمة على غرار السكر، الزيت والخبز لأنه لا مبرر من ارتفاع أسعارها مادامت الحكومة هي من تساهم في تمويلها لحد الساعة، واصفا الخسارة التي ستتكبدها الخزينة العمومية من قيمة تبذير المواد المدعمة بالقيمة المحترمة التي يصعب تقديرها حاليا. أما الخبير المالي عبد الرحمن مبتول، وفي اتصال هاتفي خاطف مع "الحوار" أكد على صعوبة دراسة السوق الجزائرية والتحكم فيها قائلا: "لاثقة في السوق" حيث أكد محدثنا أنه خلال السنة الماضية كانت الأسعار مقبولة وفجأة وبدون سابق إنذار علا سقف الأسعار ومنه يصعب قياس احتمالات ارتفاع الأسعار من دونها خلال شهر رمضان.
اللهفة الزائدة قد تفتح باب الاستغلال والمضاربة في الأسعار واستبعد من جهته الناطق الرسمي لاتحاد التجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار حصول ندرة في الأسواق الجزائرية، مؤكدا على وفرة مختلف السلع وتصادف شهر رمضان هذه السنة مع بداية موسم حصاد المنتوجات الزراعية التي ستمتد حتى شهر أوت لتتمتع السوق الجزائرية بالوفرة والتنوع في المحاصيل إلى نهاية أوت القادم قائلا: لن تكون هنالك ندرة ولكن زيادة الطلب المبالغ فيها خلال الأيام الأولى من رمضان ستسبب ارتفاعا محسوسا في الأسعار لامحالة"، وبلغة الأرقام نسبة متوسط الزيادة في أسعار الخضر والفواكه نتيجة اللهفة والمبالغة في زيادة الطلب تقدر بما يتراوح بين 20 إلى 30دينارا في الكلغ الواحد"، منوها من جهة أخرى بتراجع الأسعار واستقرارها في الأسبوع الثاني، وما هي إلا زيادات مؤقتة تنخفض أو ترتفع حسب زيادة أو تراجع لهفة الاقتناء التي تتجسد على شكل طوابير طويلة عريضة من أجل اقتناء أبسط الأمور. كاشفا عن تسويق أزيد من 10ملايين قنطار من الخضر والفواكه خلال شهر رمضان، أما بالنسبة للحوم فستسوق أكثر من 80ألف طن من اللحوم بنوعيها وهي الكمية الكافية والوافية لتلبية طلباته حتى نهاية الشهر. وفي سياق ليس ببعيد أكد بولنوار ل"الحوار" عن انعقاد عديد الاجتماعات مع مختلف الناشطين الاقتصاديين وممثلي أسواق الخضر والفواكه لوضع النقاط على الحروف فيما يخص الأسعار والتحكم في الأسواق الجزائرية، وتأكيدهم على استمرارية تمويل الفلاحين والمزارعين بالمحاصيل ذات الجودة طيلة أيام رمضان وامتلاء هذه الأخيرة بمختلف المنتوجات مما سيحول دون ارتفاع الأسعار، داعيا المواطنين لتحكيم عقولهم عند تسوقهم فلهفتهم الزائدة قد تفتح باب الاستغلال والمضاربة وبالتالي عدم إمكانية التحكم في السوق وتنظيمها، مردفا بالقول: إذا أراد المواطنون المستهلكون المحافظة على استقرار الأسعار لابد أن يحافظوا على استقرار طلباتهم ونظام استهلاكهم فزيادة الطلب تؤدي حتما لزيارة العرض حسب قانون السوق العالمي".
تفعيل الأسواق الجوارية لضمان فعاليتها للحد من المضاربة في حين ندد رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي باللهفة التي باتت تطل مع ثبوت هلال شهر رمضان بل وتنتشر قبل ذلك بأيام، مرجعا سبب لهفة المواطنين غير المبررة لعدم ثقتهم في السوق الوطني وعدم تشبعهم بثقافة استهلاكية جيدة التي تهذب سلوكه وكيفية اقنائه الذي يؤدي بالضرورة لاختلال في الوفرة وفي موازين السوق مما يؤدي لتذبذب الأسعار، منوها من جهة أخرى لاشتراك المسؤولية في تذبذب الأسعار مع مختلف الأطراف الناشطة في هذا القطاع، حيث يعتبر غياب الأسواق الجوارية، عدم تحديد هامش الربح، وعدم وصل المعاملات التجارية كلها عوامل تؤدي لزيادة اللهفة أيضا عند التجار، مؤكدا على دور الأسواق الجوارية التي من شأنها المساهمة في استقرار السوق، مشيرا إلى ضرورة تفعيل هذه الأسواق وفتحها يوميا لضمان أدائها للدور المنوط بها، كاشفا ل"الحوار" أن جمعية حماية المستهلك لاحظت خلال السنة الماضية فتح هذه الأسواق في اليوم الثالث من رمضان، وهو ما يؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف المرجوة من هذا النوع من الأسواق، قائلا بالكلمة الواحدة: هناك إرادة سياسية ملموسة من طرف الوزارة الوصية لتوفير أسواق ترفع الغبن على ذوي الدخل المتوسط، لكن لابد من مثل هذه الأسواق وتفعيلها وإلا فلن تصل للأهداف الضرورية لها". في سياق ذي صلة وصف رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي التبذير باللا دين له وبأنه لا يعكس مستوى المسلمين، مؤكدا على تراجع هذه الظاهرة نسبيا مقارنة بالسنوات القليلة الماضية نظرا للظروف الاقتصادية التي تعيشها الأسر الجزائرية وتدني قدرتهم الشرائية، منوها بدور الوازع الديني للحد من هذه الظاهرة أكثر فأكثر.
ضرورة فوترة التعاملات التجارية بدءا من خروجها من مصدرها الأول فيما أشار رئيس الاتحادية الوطنية لحماية المستهلك محفوظ حرزلي ل"الحوار" على المضاربة في الأسعار التي تعرفها الأسواق الجوارية منذ بداية رمضان، والتي من المفروض أنها وجدت لضمان وفرة المنتوجات بأسعار مقبولة، قائلا: الأسعار في الأسواق الجوارية مرتفعة مقارنة بما هي عليه في الأسواق العادية، زرتها شخصيا ولمست المضاربة التي تخضع إليها فمثلا كيلوا غرام من السميد الذي لا تتجاوز قيمته في الأسواق العادية ال 100دج لكنها تباع في الأسواق الجوارية ب180دج"، مشيرا هنا لغياب تحديد الوصاية لهامش الربح الذي يساهم في الرفع من جشع التجار ورغبته في الربح السريع، داعيا لضرورة فوترة التعاملات التجارية بدءا من خروجها من مصدرها الأول إلى وصولها للمحلات أو الأسواق تفاديا لأي أنواع المضاربة وارتفاع في الأسعار غير المبرر واستغلال المناسبات الدينية.
إقبال كثيف على الأسواق … وطوابير طويلة على كل المواد نزلنا لأحد الأسواق الجزائرية واقتربنا من بعض المتجولين في السوق من جهة وتحدثنا مع بعض بائعي التجزئة من جهة أخرى لعلنا نجد سببا مقنعا للهفة التي تصيب المواطنين خاصة في الأسبوع الأول من شهر رمضان، وكانت العينة من السوق المغطى بحي رضا حوحو المعروف بكلوزال ببلدية الجزائر الوسطى أين تباينت آراء المتجولين، ففيهم من اعتبرها مجرد تسوق لاقتناء المستلزمات على الأقل الأسبوع الأول من رمضان حتى وإن كان ذلك فيه نوع من المبالغة في الشراء، في حين يفضل البعض الآخر اقتناء مستلزمات كل يوم على حدى حتى وإن كان هناك ارتفاع في الأسعار، بينما أقر آخرون بعدم عقلانية الاقتناء واللهفة حتى على أبسط المنتوجات، حيث شاهدنا هناك طوابير طويلة أمام بائع التمر والزيتون وحتى التوابل، تركنا هذه الطوابير وذهبنا لإحدى قصابات اللحم الموجودة في قلب السوق أين أكد لنا صاحبها المدعو خالد قادري على الإقبال الكثيف على السوق لاقتناء مختلف المواد بما فيها اللحوم التي تقدر أسعارها حاليا ب1190دج منذ بداية رمضان ليدوم الاقتناء إلى غاية بحر هذا الأسبوع لتظهر نتائج فوضى الشراء وتأثيراتها على أسعار السوق الوطنية. تتزايد إذن ميزانية المصاريف المالية خلال شهر رمضان وتتعدد أسباب لهفة اقتناء المواطنين الجزائريين في هذا الشهر لكن النتائج واحدة، اشتعال رهيب في أسعار المنتوجات يدفع ثمنها محدودو الدخل بالدرجة الأولى خاصة مع تزامن عدة مناسبات دينية طفرة واحدة خاصة أمام غياب ثقافة ترشيد النفقات. سعيدة. ج