يتطلع الرئيس الأمريكي الجديد، باراك أوباما بعد ستة أشهر من انتخابه، إلى انتهاج سياسة جديدة في العلاقات الصينية الأمريكية التقليدية، والذهاب إلى أبعد مما ذهب إليه سابقوه في وضع الاستراتيجيات الأمنية والاقتصادية، مع المارد الصيني الذي توسعت نفوذه الاقتصادية إلى جميع قارات العالم. مما دفع الولاياتالمتحدة إلى إضرام نار الفتنة في كثير من البلدان التي استفادت من الخبرة الصينية في اقتصادياتها، على طريقة(نلعب ولا نحرم)، رغم أن فترة حكومة كلينتون في حقيقة الأمر كانت ترتكز على ثلاثة أهداف رئيسية، حماية الأمن في المقام الأول، ثم إنماء الاقتصاد، فترويج لأسلوبها الديمقراطي. وإذا كانت العلاقات بين الدول تتدرج من الصراع إلى التعاون، مرورا بدرجات متعددة تمثل كل منها موقعا وسطا بين قمة الصراع وهي الحرب الشاملة وقمة التعاون وهي الاندماج أو التعاون في كل المجالات، فإننا نجد هذه العلاقات تشكل نمطا فريدا من العلاقات الثنائية بما تتضمنه من عناصر تبدو متنافرة أو متناقضة أحياناً، مثل التعاون، والصراع، والاستقلالية والاعتماد المتبادل، فلا هي منافسة صريحة، ولا هي عداء مستتر، ولكنها مع ذلك تظل تعمل في إطار توازن دقيق من المصالح المتبادلة والتهديدات المتوقعة. وذلك بعد سقوط الرهان الأمريكي على تفكك القيادة المركزية الصينية تحت وطأة الصراع على السلطة، والانفجار الدموي بعد وفاة الزعيم دينغ، وعلى توليد صراعات عسكرية وسياسية وعرقية وطائفية.. لكن تلك الوفاة عام 1997 لم تفجر خلافات على السلطة بين أنصاره، ولا عطلت مسيرة الإصلاحات، ولا عرقلت التطور الاقتصادي والعسكري للصين الحديثة. وتمكن الزعيم جيانغ زيمين من السيطرة على الموقف والحفاظ على الأمن الوطني والاستقرار السياسي، بل إنه نجح في استكمال خطة عودة جزيرة هونج كونج إلى الوطن رغم المناورات البريطانية. واضطرت الإدارة الأمريكية إلى الاعتراف بفشل سياستها العدائية تجاه الصين، واقتضت الواقعية السياسية الأمريكية أن تعيد النظر في الاستراتيجية الأمريكية تجاه بكين. وتراجعت تهديدات واشنطن واشتراطاتها السابقة على تطبيع العلاقات مع بكين عبر الزيارة التاريخية التي قام بها زيمين في أكتوبر ,1997 فمن العلاقات بين الصين والولاياتالمتحدة، التي كانت ترتكز في السابق وفي المقام الأول على الجانب الاقتصادي البحت، إلى قضايا أكثر أهمية، قضايا البيئة و مكافحة الإرهاب... وفي أول قمة بين الصين وأمريكا تحت رئاسة أوباما، حضر ما لا يقل عن 150 من المسؤولين الصينيين، وافتتحت القمة في 27 تموز / يوليو في واشنطن لمدة يومين. وهذه القمة قد تقررت في 1 نيسان / أبريل الماضي، في الاجتماع الذي عقد بين الرئيس الصيني هو جين تاو وباراك أوباما في لندن على هامش قمة .20 الوفد الأميركي برئاسة كاتب الدولة، للشؤون الخارجية، هيلاري كلينتون وزير الخزانة تيم جيتنر. مقابلهم نائب الوزير وانغ تشي شان، ونائب وزير الخارجية الصينى داى بينغ قوه. وضعت تحت شعار التعاون الصيني الأمريكي، وهذه القمة كانت فرصة للرئيس الأميركي لإقناع بكين للحاجة الملحة إلى التعاون بين البلدين لمكافحة الانتشار النووي وتغير المناخ والأزمة الاقتصادية العالمية. وصرح باراك أوباما من خلال كلمة الافتتاح قائلا: ''إن العلاقات بين الولاياتالمتحدة والصين سوف تتشكل بنجاح في القرن الحادي والعشرين. وفيما يخص المواضيع الحساسة، مثل قضية حقوق الإنسان والديمقراطية في الصين، لم يتم التطرق إليها في. وفضل الرئيس الأميركي التمسك في خطابه بتقديم موقف الولاياتالمتحدة ورأيه الخاص. وكانت السياسة النقدية في قلب المناقشات، وخاصة فيما يتعلق بسعر الصرف في الصين. بكين اقترحت إصلاح النظام النقدي الدولي، وأعربت عن قلقها إزاء احتمال الإضرار بالآلة الاقتصادية الصينية، والتي بلغت 1500 مليار دولار. ولكن مدير الميزانية الأمريكية بيتر أورساق طمئن الجانب الصيني. واتفقت الدولتان على أن القمة كانت إيجابية وناجحة. وكما يبدو فإن الإدارة الأميركية الجديدة، وهي الملمة بأوضاع الاقتصاد الغربي، بما فيه الاقتصاد الأميركي، قد وصلت إلى قناعة باستحالة قدرة الإمكانات الذاتية للاقتصاد الغربي أن ينتشل نفسه من الأزمة البنيوية التي يتخبط فيها، وأن يد الإنقاذ ينبغي أن تمتد من الشرق هذه المرة. هذا الاعتقاد يفسر مسارعة الرئيس الأميركي باراك أوباما لحظة فوزه بكرسي الرئاسة، إلى الاتصال بنظيره الصيني هو جنتاو كي يسمع منه، وكما نقلت وكالة شينخوا الصينية الرسمية للأنباء ''رغبة الصين في تعزيز التعاون مع الولاياتالمتحدة من أجل مواجهة التباطؤ الاقتصادي العالمي، وتثمينها للجهود التي تبذلها الولاياتالمتحدة لدعم استقرار الأسواق المالية وتحفيز الاقتصاد. قسم علوم الإعلام والاتصال جامعة وهران