حرصت جهات فرنسية رفيعة المستوى خلال الأشهر الماضية على ''استفزاز'' الجزائر من خلال خرجات ''فجائية''، من قبل مسؤولين حاليين أو سابقين في الدولة الفرنسية، كانت آخرها خرجة الخبير الفرنسي في المسائل النووية برونو تيرتري، وكبير الباحثين في مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية والعضو السابق في لجنة الكتاب الأبيض حول المسائل الدفاعية أين طالب في كتابه ''سوق القنابل السوداء'' بوضع الجزائر في قائمة الدول النووية الخطيرة والذي أثار شكوكا كثيرة حول أهلية الجزائر لامتلاك القنبلة النووية رغم التصريحات الرسمية الجزائرية في كل مرة يثار الموضوع، وكان وزير الطاقة في آخر تصريح له بمناسبة توقيع اتفاق مع الأرجنتين في هذا الباب قال إن الطاقة النووية في البلاد تستعمل لأغراض سلمية فقط. الخبير الفرنسي في المسائل النووية، ضمّن في كتابه فصلا عن الجزائر وبرنامجها النووي، وفي هذا الفصل إثارة شكوك لا حصر لها حول ''النية الجزائرية'' تجاه الطاقة النووية، ويمكن قراءة الآتي:''مميزات برنامجها النووي، دعمها المفتوح لإيران، رفضها الانضمام للبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة النووية، عوامل تثير الشكوك ولا يمكن أن تقود إلا إلى استخلاص أن الجزائر ينبغي أن توضع في ''بلدان الخطر'' على أساس الانتشار (أي انتشار القنبلة النووية)... وأقل ما يمكن أن نقوله إن العاصمة الجزائرية لا تستعجل رؤية مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية يدسون أنوفهم في منشآتها للطاقة النووية''. ويعود هذا الخبير إلى تاريخ الطاقة النووية في الجزائر ويسرد تفاصيلا تقنية عن المفاعلين النووين، نور والسلام، بكثير من التشكيك في أصل رغبة الجزائر في التعامل مع الطاقة النووية سلميا، ويستعرض حادثة الكولونيل البريطاني الذي ضبط يتجسس على مفاعل عين وسارة وأشياء أخرى تصب كلها في التشكيك المثير للريبة حول نوايا الجزائر في استعمال الطاقة النووية مرة أخرى. وقبل هذا كانت قضية رهبان تبحيرين التي أسالت الكثير من الحبر في الصحافة الجزائرية والفرنسية على حد السواء ''خرجة أخرى من خرجات الفرنسيين أين أرادوا التشكيك في الجيش الجزائري وتورطه في اغتيال الرهبان السبعة، وجاء بعدها رد الجزائر قويا من قبل القاضي الأول في البلاد عبد العزيز بوتفليقة أين حذر فرنسا من هذه التصريحات ضد الجزائر بفتور العلاقات بينهما، وحينها فقط تراجع الرئيس الفرنسي وقلل من حدة كلامه بخصوص قضية مقتل الرهبان الفرنسيين بمنطقة تبحيرين، حيث قال إن موقفه لحد اليوم لا يزال مبنيا على أن من كان وراء الاغتيال هي الجماعة الإسلامية المسلحة، مجددا تأكيده أنه لن تكون سرية دفاع في هذه القضية. وبعدها بأيام قليلة شهد شاهد من أهلها أي فرنسا في القضية وانقلب السحر على الساحر حيث اتهم وزير الداخلية الأسبق حكومة فرنسا بالتواطؤ في اغتيال الرهبان ليكون جواب الفرنسيين على الاتهامات من داخل فرنسا، وقال آنذاك الوزير أحمد أويحيى إن هذه المسألة مسألة داخلية بينهما. ولتهدئة الأمور اضطر السفير الفرنسي في الجزائر لعقد ندوة صحفية أكد من خلالها أن العلاقات الجزائرية الفرنسية جيدة وقال إنها تتسم بالجودة'' و''الحيوية'' وعبر عن قناعته بأن ''هذه العلاقات في تحسن مضطرد'' منوها ب''وجود حافز قوي لدى المؤسسات الفرنسية من أجل المجيء إلى الجزائر ليس فقط بغية التجارة وإنما لأجل الاستثمار كذلك''، وفسر المراقبون الأمر بحاجة فرنسا القوية إلى تفريغ صناعاتها في الجزائر في ظل الأزمة المالية العالمية. وأجل بوتفليقة زيارته إلى فرنسا التي كانت مقررة شهر جوان الماضي دون أن يتم تحديد موعد جديد لها و حرص قصر الإليزيه في تبريره لإلغاء الزيارة على أنه لا وجود لأي مشكل خطير بين الجانبين في الوقت الحاضر. وكانت لقضية الدبلوماسي حسني التي أسالت بدورها حبر صحافة البلدين منعرجا آخر في العلاقات الجزائرية الفرنسية حيث تهربت فرنسا في بادئ الأمر من حل القضية بربطها بالسلطة القضائية ولا تستطيع السلطة التنفيذية الفرنسية التدخل فيه لكنها سرعان ما حلت الموضوع بطريقتها ولم تكن حجة القضاء عائقا في وجهها عندما أرادت ذلك خاصة وأن القضية خلقت ما يسمى ''بأزمة دبلوماسية لم تكتمل بين البلدين''، وكانت الجزائر شجاعة في اتخاذ قراراتها حيث لم يهضم وزير الخارجية مراد مدلسي ذلك وقال حينئذ ''فرنسا تحتجز منذ أربعة أشهر أحد أحسن دبلوماسيينا كرهينة''. لتكون آخر هذه الخرجات الفرنسية ''الغريبة'' التي تبحث دائما عن خلق مشكل للجزائر وإثارة الرأي العام الدولي قضية وضع الجزائر في قائمة الدول التي تمتلك أسلحة نووية، غير أن مصادر حكومية فرنسية نقلا عن صحيفة لومند الفرنسية، أشارت إلى أن الوضع الدقيق للقدرات الحالية للجزائر في هذا الشأن لا يزال غير مؤكد، هذا فضلا عن العمل الذي طال ما يسمونه بالذاكرة، إذ أبدت الحكومة الفرنسية عزمها على تعويض الحركى الذين بقوا في الجزائر، وشهدت الحركة الأدبية الفرنسية حراكا يصب في خانة الترويج لمصالحة تاريخية بين الجلاد والضحية، على حساب الضحية طبعا، من خلال عدد من الأعمال الأدبية والروائية الأخيرة. وقالت أيضا إن هذه المعطيات بنيت بناء على رأي محلل إسرائيلي الذي قال إن هناك فعلا ''نائمة'' لكنها حقيقية. ويستغرب محللون سياسيون في هذا الشأن هذه الخرجات الفرنسية ويعزون ذلك إلى تحسن وضع الجزائر على جميع الأصعدة خاصة في الجانب الأمني والاقتصادي، ففرنسا تريد أن تثير زوبعات حول الجزائر حتى لا تنهض وتكون الوجهة الأولى في إفريقيا خاصة وأنها تحمل هموم أغلب القضايا العربية بدءا بقضية الصحراء الغربية وصولا إلى القضية الفلسطينية. كما يؤكد نفس المصادر أن الأيام كفيلة بإجابة هذا الخبير وبلاده على الإدعاءات الفرنسية التي في كل مرة تسقط سقوطا حرا وخير دليل على ذلك قضية تبحرين، حساني وما خفي كان أعظم.