تسيطر أخبار الساحرة المستديرة والمونديال الإفريقي على كل أخبار وكالات الأنباء والفضائيات وتتصدر عناوين الصحف والمجلات، وأضحى الحدث العالمي كرويا بامتياز، وكأن العالم انحصر في المستطيل الأخضر وكل البشر أضحوا اليوم مهوسين بتلك الكرة التي تتقاذفها أقدام اللاعبين، وكل الدول أصبحت ممثلة في 32 دولة تشارك في المونديال الأسمر مدفوعة بالحب والولاء لفريق دون الآخر .. الكرة أصبحت تسري في العروق مسرى الدم، حتى إذا ما سقطت في شباك الفريق المنافس، التهبت المشاعر وقفز الجمهور من أمكنته تعبيرا عن الفرحة وابتهاجا بنشوة الفوز، أما الخاسر فإنه يغرق في مقعده من فرط الخيبة والإحباط وكأن العالم انهار من حوله .. غريب ما يحدث حقا، فالعالم الذي لم تجمعه السياسة أو الرؤساء أو الزعماء بحنكتهم واقتدارهم جمعهم جلد منفوخ ، سر هذه اللعبة تجاوز مفعول السحر ، لدرجة أن جزء كبيرا من الناس يقول أنها حلم جميل، في حين يعتبرها آخرون بأنها وهم خادع .. وبعيدا عن التأويلات ، من المؤكد أن الكرة المستديرة أصبحت قطاعا مزدهرا من قطاعات الحياة، بصناعته وأدواته واستثماراته وثرواته ونجومه، وأهله أصبحوا يساهمون في صناعة العالم الراهن...ودليل ذلك أن عددا من الرؤساء كانوا يرقصون طربا بعد كل فوز، وهو ما كان يحدث لجاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق الذي رقص بعد أهداف زيدان، الذي صنع مجد فرنسا عندما فازت بالكأس العالمية عام ,1998 في حين كان القادة والزعماء، من قبل، يرقصون إذا ربحوا المعارك، كما فعل هتلر عندما اجتاحت جيوشه الحدود الفرنسية في بداية الحرب العالمية الثانية عام .1939 .. وإذا كان هذا شأن الرؤساء، فلا لوم على الجماهير حينما تخرج للشوارع احتفالا بالفوز العظيم ، وأمام هذا المشهد يتأكد بأننا إزاء مجتمع يتنفس الكرة وأصبح رباط الوطنية فيه يتغذى من الساحرة المستديرة ومن كرة القدم ، أكثر مما يتغذى من مجتمع الساسة والمثقفين، حيث يسود الاستبعاد والعنف الرمزي، خاصة من جانب أصحاب العقائد والعقد والإيديولوجيات ...