يعيش سكان مشاتي بلدية غبالة بجيجل خارج حياة العصر بكل ما يحمله هذا الوصف من معنى نظرا للعزلة المفروضة عليهم وضعف مستواهم المعيشي البعيد كل البعد عن المستوى الوطني، وليس أدل على ذلك من استعمال البغال والأحمرة كوسائل للنقل وقضاء مختلف الحاجيات، كما يقيم أفراد العائلات في سكنات هي أقرب إلى الكهوف والمغارات في إقليم تاريخي كان إلى وقت قريب الحاضن الأمين للثوار من المجاهدين والمجاهدات. وحسب ما أفادنا به مواطنون يقطنون بمشاتي مختلفة تابعة إقليميا لبلدية غبالة، فإن العيش بهذه المنطقة المتاخمة لحدودة ولاية سكيكدة صار لا يطاق ولا يستدعي تدخل الجهات المسؤولة الولائية والوطنية لفك العزلة عن مختلف الدواوير التي كانت خلال الثورة التحريرية الكبرى بمثابة منطقة إستراتيجية للمجاهدين لطابعها التضاريسي الوعر، واليوم كما يقول المواطنون الذين تحدثنا إليهم أصبحت البلدية المذكورة مرادفة للتهميش والإقصاء، بل ويمكن تشبيه مشاتيها بمجسمات تاريخية تعود بنا إلى ما قبل التاريخ نظرا للحياة البدائية التي لا تزال تلتصق بالسكان وهم معذرون طالما أن إمكاناتهم البسيطة جدا فرضت عليهم حياة العزلة والبداوة، وفي هذا السياق كشفت مصادرنا أن أغلب سكنات مشاتي البلدية على غرار بني صبيح، حديفة، المعلقة، دار بن زريعة، المقطع، ودار بن زرقة والوادية مبنية بالحجارة والطين ومغطاة بالديس، وهي أشبه بالكهوف والمغارات، ولم تخصص برامج السكن الريفي التي استفادت منها البلدية من وطأة أزمة السكن لضآلتها وعدم تلبيتها لطلبات المواطنين المعذبين بهذا الإقليم الإداري المصنف في خانة البلديات الأكثر فقرا بالبلاد. محدثونا أوضحوا لنا أيضا وبحسرة بادية على وجوههم أن الكلمات تعجز عن وصف نمط حياتهم الذي يرتكز على التنقل اليومي للرجال والنساء على حد سواء، حيث يستيقظ الرجال مبكرا من أجل لرعي ماشيتهم من أغنام وأبقار وماعز في المروج والبراري المجاورة لبيوتهم ولا يعودون إلا آخر النهار، إضافة إلى استغلال الأرض لإنتاج بعض أنواع الخضروات أما نساء المشاتي المذكورة فيمارسن أعمالا رجالية أيضا كتربية الدجاج وتنقية البساتين والتنقل بواسطة الاحمرة والبغال لجلب الماء الشروب من منابع طبيعية غير مراقبة على مسافات طويلة تتجاوز 05 كيلومترات، ناهيك عن جمعهم يوميا لمختلف أنواع الحطب لاستعماله في طهو الطعام وكذا التدفئة، وأمام صعوبة المسالك ووعورة التضاريس وانعدام النقل يضطر السكان بهذه المشاتي إلى السير راجلين من الصباح الباكر للوصول إلى منطقة أم الطوب قصد تلبية حاجياتهم الاستهلاكية من أسواقها أو التوجه بنفس الكيفية نحو مقر بلديتهم غبالة لاستخراج الوثائق الإدارية اللازمة، والمحظوظ من المواطنين بهذه المشاتي هو الذي يتمكن من كراء سيارة ''فرود'' للخروج من العزلة وبلوغ مدينة الميلية دافعا مبلغا لا يقل عن 1000 دج في النهار، بينما يتضاعف ليلا إذا كان الأمر يتعلق بنقل مريض أو امرأة حامل تعيش مخاضا عسيرا، وما أحوج هذه المشاتي لمدارس ابتدائية ومتوسطات لضمان تمدرس الأطفال والحد من نسبة التسرب المدرسي التي يزيد منحناها ارتفاعا عاما بعد عام، إضافة إلى القضاء على ظاهرة توقف تمدرس الفتيات في المرحلة الابتدائية بسبب العزلة وانعدام النقل المدرسي، وقد لمسنا من خلال تحدثنا لأعضاء من المجلس البلدي بخصوص معاناة المواطنين أن إمكانات ووسائل البلدية لا تكفي إطلاقا لمعالجة همومهم وسد نقائصهم الاجتماعية دفعة واحدة، لأن تقويم الأوضاع حسبهم يحتاج إلى مزيد من الوقت وكثير من الصبر.