أسباب كثيرة تجعل الشباب يرتكبون حماقات و أخطاء تجرهم إلى أروقة المحاكم و تحجزهم وراء القضبان،و كل من حولهم تتغير نظرتهم اتجاههم إلى نظرة احتقار ،إلاّ الأم التي تقف بجانب ابنها في السراء و الضراء حتى و إن كان مجرما ،و تسامحه حتى و إن أخطأ في حقّها. فنجد أمهات السجناء يقضين يومياتهن و هن يفكرن في كيفية التخفيف من معاناتهم و يعملن كل ما بوسعهن لتوفير حاجياتهم،و إن اضطرهن الأمر أن يقرضن قرضا أو يضاعفن ساعات من عملهن كي يتحصل على راتب أكبر ليوصلن لهم ما ألذ و طاب من المأكولات ،هي عينات حيّة نقلتها جريدة "الاتحاد" كمثل حي لأمهات يتقاسمن المعاناة مع أبنائهن السجناء. ..معاناة أرملة كانت الساعة الحادية عشر صباحا عندما التقينا بالخالة "وردية" أثناء عودتها من السوق ، حاملة بيدها قفّة كبيرة و العرق يتصبّب من جبينها ،فحرارة الصيف المرتفعة زادتها ثقل تلك القفة ما تسبب في التعب الذي كان باديا على وجهها و في الذي كان يظهر جليا إزاء خطواتها المتثاقلة فلا تكاد تستطيع تحريك جسمها الهزيل خاصة و أنها في العقد السابع من العمر، توقفت قليلا و أخذت مكانا في محطة الحافلات بساحة أول ماي لتأخذ قسطا من الراحة،تنهدت و مسحت عرقها و بدأت تسرد حكايتها التي إن لم تبكي سامعها توقظ فيه الأحاسيس التي كانا المعاناة و الألم عنوانا لها :"داروها في ابني المسكين أوراه إخلّص واحدو فالحبس..عامين و أنا نسوفري أو مازال..كل سمانة راني بقفة..يادرا ويلا إيصيبني حية و لا ميتة.." هي آهات و آلام الخالة "وردية" هي أرملة و أم لأربعة أولاد،بنتان متزوجتان و ولدين احدهما داخل السجن بتهمة السرقة و هو الأحسن في أولادها خلقا و خلقا و لكن الذين يعتبرونهم أصدقاؤه نصبوا له فخا أوقعوه فيه و آخر أكمل نصف دينه يعيش في بيت مستقل عنهم و بقيت المسكينة تقضي يومياتها بين العمل و تحضير قفة أسبوعية لابنها،و صرحت في حديثها لجريدة "الاتحاد" أنه تم توقيفه منذ عامين تقريبا أعطوا له مسكرا للقيام بعملية السطو على منزل أحد المواطنين فأوقفوه،فمنذ ذلك اليوم تضيف أنها لم تذق طعم الراحة و الاستقرار فهي تقضي يومياتها في تحضير قفة من المأكولات التي يشتهيها ابنها و يطلبها منها رغم أن راتبها لا يصل 15 ألف دينار جزائري كونها تعمل كمنظفة في عيادة طبية خاصة و تعلق قائلة:"منقدرش يطلبني في حاجة أومانديهالوش..ماشي مالفة ناكل السردين مي دايمن حاضر فالقفة تع وليدي"،فارقتنا الخالة وردية و هي تطلب من الله أن تطال عمرها حتى يفرج عن ابنها. أم فريد..زيارة تعد بالدقائق كثيرات أمثال الخالة "وردية" اللاتي ينتظرن بفارغ الصبر يوما في الأسبوع لملاقاة أبنائهن في زيارة لهم في السجن و لمدة قصيرة تعد بالدقائق،هي "أم فريد" من بومرداس التي تتألم أيضا لفراق ابنها الذي لم يغيبه الموت و لكن اصطحابه لرفقاء السوء وانخراطه في سموم المخدرات انتهى به المآل بالعيش وراء القضبان،تقول أن فشله في البكالوريا كان نقطة بداية تغييره و اعوجاجه،فاتّخذ سبيل الانحراف بعد أن كان يضرب به المثل في الأخلاق بين أبناء الحي على حسب قول أمه،فقد أصرت عليه تقول-أمه- على إعادة اجتياز شهادة البكالوريا و لكنه رفض طلبها و اتبع آراء أصحابه التي أوصلته إلى ما وراء القضبان، و هو ليس مدركا أنه مخطئ في حق نفسه قبل أن يخطئ في حق أمها و غيرها،و تضيف أنها غضبت منه في بادئ الأمر و لأن الأم لا تعرف الحقد على فلذات أكبادها و تسامحهم رغم أخطائهم،ف"أم فريد" كونها أم سامحت ابنها و بكل سهولة رغم عقوقه لها ،حيث أصبحت تنتظر يوم زيارة ابنها بفارغ الصبر، و تقضي يومياتها الأسبوعية في تحضير الحلويات و المأكولات التي يشتهيها ابنها،و بعدها يبدأ مشوار بحثها عن وسيلة نقل تقلها إلى السجن المتواجد فيه ابنها بقسنطينة،هكذا هي حال الأمهات يفرحن بفرح أبنائهن و يحزن لحزنهن،رغم ذلك فنجد الكثير من الأبناء لا يقدرون هذه النعمة حتى يفقدونها.