مغضوب عليهم في الحرية ومدللون في السجون شريحة الهاتف محشوة في الخبز ومحبوسون يتمتعون بمختلف أنواع اللحوم على الرصيف المحاذي لسجن الحراش بالعاصمة، تجلس أمهات وفتيات في عمر الزهور، في لباس رث.. نساء يضعن "العجار" وأخريات أنيقات ومحافظات على آخر صيحات الموضة، تجد مواطنين من كل حدب وصوب حضروا لزيارة فلذات أكبادهم أو شركاء حياتهم الذين يقضون عقوبات على أخطاء وجرائم ارتكبوها منذ سنوات، وتجد عزيمة أمهات وآباء يتعدى سنهم ال70 وال80 سنة صلبة، بعدما واصلوا على مدى سنوات من دخول أبنائهم السجون، تأدية "واجب" الزيارة وإيصال "القفة" المنتظرة إلى مؤسسة إعادة التربية والتأهيل. “كرهنا”.. كلمة ترددت كثيرا على لسان الأمهات وهن يتحضرن لملء القفة من الدكان المجاور لسجن الحراش، طاعنات في السن تكشف تجاعيد وجوههن عن الغبن والأسى الذي يتجرعنه في كل زيارة لفلذات أكبادهن. فمثلما يقول المثل الشعبي “من جهة حامية ومن جهة تحرق”، تجد الأمهات أنفسهن والشوق يحملهن للاطمئنان على صحة وسلامة أبنائهن داخل السجون، ورغم يقينهن التام بأن أبناءهن أخطأوا، كما تقول السيدة تسعديت وهي تقاوم البكاء بصعوبة “يكذب اللي يقول وليدي ما دار والو”، إلا أنهن لا يجدن إلا الزيارة للوصول إلى راحة البال والتكفير عن التقصير. معاناة حقيقية تلك التي يمر بها الأهالي بعد انتظارهم تحت أشعة الشمس الحارقة لأكثر من ثلاث ساعات، من أجل التمكن من رؤية أبنائهم وبناتهم وأزواجهم وزوجاتهم وآبائهم لإيصال “القفة” لهم، فكما قال العم عبد القادر “اللي يحبو ربي ما يدخلش لهاذي البقعة”، تجد حسراتهم على قلوبهم يعدون لحظات تقصيرهم أو غفلتهم في رعايتهم لأحبائهم حتى كان مصيرهم “الحبس”، ورغم ذلك يؤكدون أن أبناءهم يخرجون بضعف الوزن الذي دخلوا به إلى السجن. ما زاد على 10 كيلوغرام ممنوع عندما توقفت سيارات “البي. ام. دبليو” و”المرسيدس” و”الشيفرولي” آخر طراز في الجهة المقابلة لسجن الحراش، أدركنا أن المحبوسين يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية، في ظل الحالة المزرية التي وجدنا عليها بعض الأولياء. فمن الأهالي من يوفرون “القفة” لأفراد عائلاتهم وأصدقائهم في السجن، حيث يتم الاتفاق مع عائلاتهم على الحضور لحمل القفة “الهدية” من العائلة “الغنية” وإدخالها لأبنائهم، ذلك أن القانون يمنع إدخال أزيد من 10 كيلوغرام و900 غرام للسجين، ولا تقبل مختلف القفف التي يصل وزنها 11 كيلوغرام، وهو ما يدفع العديد من العائلات إلى التحايل باستخدام الدفتر العائلي لزيارة المسجون من طرف والدته أو أخواته المتزوجات أو أخواله وإحضار أكثر من قفة واحدة. وحسب ياسين، فإن بعض العائلات تضطر للعمل في مسح الأحذية والسيارات بشوارع العاصمة من أجل توفير مبلغ القفة.