تستقر اليابان في وعي المثقف العربي صورة مشحونة بالتناقضات، فهي من جهة تبعث فيه الإعجاب لنموذج دولة خرجت من زلزالها الرهيب في أواسط الأربعينيات، وتثير فيه من جهة أخرى، وجعا خاصا يذكره بحلمه المتعثر الذي ما زال يشكو ردات زلزاله منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي، ممثلا باحتلال فلسطين وأفول كثير من أحلامه بالوحدة والتقدم. وفي معرض الكتاب الدولي الثالث والعشرين بالدوحة تحل "بلاد الساموراي" ضيف شرف، ناثرة ثقافتها وحكاياتها بما توفر من ترجمات عربية عن أدبها، الذي وصل إلى مراتب متقدمة بفوز روائييها بجائزتين من جوائز نوبل، رغم حداثة الأدب الياباني قياسا بتجارب أمم أخرى. على أن الإعجاز الياباني الصناعي الهائل الذي لفت الغرب والعرب على حد سواء للبحث عميقا في جذور الموروث الياباني، وثقافته التي يعد الأدب واحدا من وجوهها، ظل فيه الاتجاه الثقافي العربي مشدودا إلى مقاربة أنموذجه المتعثر بالأنموذج المتحقق لبلاد "الشمس المشرقة". وبقي التعاطي مع اليابان فكريا ينزع في جوانب كثيرة منه إلى محاولة البحث في السؤال ذاته الذي توقف معه المثقف العربي حيال النظرة إلى الغرب "لماذا تقدموا وتأخرنا"، لكن السؤال هذه المرة كان يتوسل إجابته من الشطر الشرقي وتحديدا النموذج الياباني. تعود الآداب اليابانية، وبينها قصائد الهايكو إلى القرن الثامن الميلادي فقط، وهي نصوص متواضعة على المستوى التاريخي بحسب "جان جاك أوريغا" صاحب معجم الأدب الياباني لمترجمه حبيب نصر الله نصر الله الذي يحدد القرن السابع عشر "مفخرة للروائع الكلاسيكية اليابانية". ولا يعد الأدب الياباني بين أقدم آداب العالم، بيد أنه يشكل حسب أوريغا ثروة استثنائية، بعدد أعماله التي تمت المحافظة عليها بتنوعها ونوعيتها إذ شهد العام 1890 نشر هذه الأعمال التي تنتمي إلى عصور غابرة. ومن بين الأسماء التي ساهمت في رسم المشهد الثقافي والأدبي الياباني من تلك العصور القديمة إلى سماء حديثة تحضر ترجماتها الروائية والشعرية العالمية المعاصرة بينها سانا ايتيكو المتوفاة في العام 1998 وأيضا شخصية كوبو آبي (1924-1993) الذي عرف عام 1953 بمجموعة قصصه القصيرة "الجدران". وعنوان مجموعته القصصية فيه تلميح إلى المفكر الفرنسي جون بول سارتر الذي يشاطره أيديولوجيته، وحظي آبي بترجمة لروايته "امرأة في الرمال" عن دار الآداب -كما تمت الإشارة- إلى العربية للمترجم كامل يوسف حسين، الذي يرى في معرض تقديمه للرواية أن "آبي كاتب ياباني حتى أطراف أصابعه وعبقريته يابانية صرفة، روحا واستلهاما وعطاء". ما هو ملفت أيضا أن اليابانيين حتى القرن العاشر لم يكونوا يملكون نظاما خطيا يسمح لهم بتدوين لغتهم بسهولة -عدا بعض الاستثناءات- ولذا فإن أدبهم الأول كتب باللغة الصينية اذ كان عدد القادرين على استخدام اللغة الصينية للإدارة الرائجة كبيرا جدا، في حين كانت القدرة على تأليف نصوص أدبية -قصيدة أو نصوص نثرية- صغيرة.