فقدت قوات مكافحة الشغب، أمس، سيطرتها على الاعتصام الذي نظمه الأطباء المقيمون قرب مقر رئاسة الجمهورية، والذي تحول بقرار فجائي من المتظاهرين إلى مسيرة احتجاجية باتجاه ساحة أول ماي، سببها المباشر الإهانات اللفظية والضرب الذي تعرض له هؤلاء منذ بداية التجمع. في حدود الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا، وصل الفوج الأول للأطباء إلى ساحة المرادية بمآزرهم البيضاء للمشاركة في الاعتصام المبرمج منذ أيام. ولكن خلافا للتجمعين المنظمين منذ أسابيع بهذا الموقع في أجواء جد ''سلمية''، فقد اصطدم الأطباء هذه المرة ومنذ الوهلة الأولى بالحاجز الأمني المشكل من طرف عناصر الأمن التي سارعت إلى إبعادهم عن مبنى الرئاسة نزولا نحو نهج بكين، وسط سب وشتم وعنف جسدي، حيث جرى توقيف مجموعة منهم فضلا عن نزع الهواتف النقالة للعديد من الأطباء الذين قاموا بتصوير هذه المشاهد. واستمرت ''استفزازات'' عناصر الشرطة للمحتجين بوضع أحزمة أمنية لضمان بقاء المئات منهم على الرصيف. ونتيجة لهذا الوضع ركزت هتافات الأطباء على التنديد بالحفرة والقمع ''ماراناش خايفين'' و''الطبيب المقيم عايش في جحيم'' وبأكثر حدة ''يا للعار يا للعار الشرطي ولّ حفار''. وعلى مدار ساعة ونصف من الزمن، لم يتوقف مؤطرو التنظيم الذين استخدموا المكبرات الصوتية عن المطالبة بإطلاق سراح زملائهم، بينما رفع باقي المحتجين شعارات تطالب بتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للطبيب المقيم. ولوح هؤلاء بالاستقالة الجماعية، بينما أكد عدد كبير من الأطباء نيتهم في اتخاذ إجراءات جماعية من أجل الهجرة إلى أي مكان في العالم إذا ما أصرت السلطات على مواصلة تطبيق نظام الخدمة المدنية، حيث يحرم الطبيب الأخصائي، بعد 12 سنة دراسة، من ممارسة مهنته في القطاع العمومي والخاص إلا بعد خضوعه لهذا النظام الذي يفرض عليه العمل في مناطق نائية بدون مسكن ولا تجهيزات طبية موافقة لتخصصه، مع العلم أن مدة الخدمة المدنية تتراوح من سنة إلى 4 سنوات. وفي هذه الأثناء تعالت أصوات المتظاهرين المطالبة ''بمسيرة سلمية'' تزامنا مع تسجيل حالة إغماء طبيبة. وبعدها تسارعت الأحداث حيث قام المحتجون على مستوى مفترق طرق شارع سويداني بوجمعة، الذي يعلو فندق الجزائر، باختراق الحزام الأمني ودخلوا في مواجهات مع قوات مكافحة الشغب التي ارتبكت وشرعت في ملاحقة الأطباء في جميع الاتجاهات بعد خروجهم إلى الطريق. ورغم محاولات متكررة للتصدي لهم، إلا أن الأطباء الذين كانوا في حالة من ''الهيجان'' الناجم عن ضغط الإضراب وتجاهل الوزارات الوصية لمطالبهم، استمروا في الركض باتجاه ساحة أول ماي. وسجل خلال التدافع سقوط جرحى، وموازاة مع هذا لوحظ تراجع قوات مكافحة الشغب عن المطاردة في مطلع شارع ''بوبيو''، تاركين الأطباء يواصلون مسيرتهم إلى غاية ساحة أول ماي قرب مستشفى مصطفى باشا، حيث تم تطويقهم مجددا من قبل عناصر الأمن بالزي المدني والرسمي. وهذا لم يمنع الأطباء من متابعة الاحتجاج إلى غاية وصول آخر فوج، فيما قرر هؤلاء تنظيم مسيرة ثانية الأسبوع القادم للمطالبة باسترجاع كرامة الطبيب المقيم وحقوقه المهضومة.