تجسّدت مقولة محمّد روراوة، رئيس الاتحادية، بأن المنتخب الوطني سيركن إلى راحة إجبارية لمدّة عام في حال إخفاقه أمام المغرب. المنتخب الوطني لم يخفق فقط في التصفيات الحالية، بل تكبّد هزيمة نكراء أعادت الجدل من جديد عن مقاييس اختيار المدرّبين، وطريقة تعامل رئيس الاتحادية نفسه مع ملف المدرّب الوطني، كلّما اقتضت الضرورة، أو لم تقتض أحيانا، جلب مدرّب وطني جديد. إذا كان من السهل اليوم إطلاق أسهم الانتقادات على المدرّب عبد الحق بن شيخة، كونه المسؤول الأول عن الخيارات فوق الميدان، إلا أن التفكير بهدوء بعد بركان الغضب بعد الرباعية النظيفة، يجعلنا نعيد شريط تعاقب المدرّبين على المنتخب للوطني منذ تولي محمّد روراوة رئاسة الاتحادية سنة ,2001 ونحاول أن نفهم إن كان العيب في المدرّب الوطني أو في رئيس الاتحادية أو في كليهما معا. مدرّبون أجانب فاشلون وتحتفظ الذاكرة الكروية بجملة من المهازل صنعها تقنيون أجانب، وتحديدا بلجيكيون في عهد روراوة، مثلما ستحتفظ الذاكرة الكروية بأن خيار المغاربة مواجهة ''الخضر'' في عهد روراوة بمدرّب بلجيكي، ترتّب عنه توجيه صفعة بلجيكية للمنتخب الوطني. ومن هنا نقيس الفرق بين روراوة والفهري في نوعية الاستثمار في المدرّبين الأجانب لتحقيق مكاسب رياضية وليس مهازل كروية. المنتخب الوطني في عهد رئيس الاتحادية الحالي ميّزه انفراد روراوة بكل القرارات، حتى البسيطة منها التي تتعلق بمصير ومستقبل المنتخب، فيختار المدرّبين حسب المزاج وحسب الظروف وحسب طبيعة شخصية ووضع المدرّب، سواء كان محليا أو أجنبيا. روراوة جلب ليكنس الذي غادر الجزائر دون سابق إنذار لأسباب قال عنها البلجيكي إنها ''عائلية''، وواسايج وجد في ''تمسّك'' روراوة به، في وقت طردته إدارة شارل لوروا حتى تنجي الفريق من سقوط كان يبدو وشيكا، فرصة ليعيث فسادا في المنتخب، ويذهب إلى حد اصطحاب ابنه لمشاركة اللاعبين الدوليين الجزائريين تدريباتهم. معايير اختيار الكفاءة المحلية ورغم أن رئيس الاتحادية لم يفوّت فرصة خلال عهدتيه للتنويه بالكفاءة الأجنبية، وربط اتصالات ''سرية'' مع جملة من المدرّبين الأجانب، سواء كان منصب المدرّب الوطني شاغرا أم لا، إلا أن كل خياراته في ''منح الفرصة'' للتقنيين المحليين أملتها ظروف طارئة، فقد استنجد بسعدان مرتين، في ظروف عصيبة، الأولى أفرزها رحيل ليكنس المفاجئ، والثانية، حين عاد روراوة إلى قصر دالي إبراهيم ليخلف حدّاج، ووجد منتخبا محطّما لم يبلغ لثاني مرة نهائيات كأس أمم إفريقيا. التجربة تثبت بما لا يدع مجالا للشكّ، بأن المعيار الوحيد لرئيس الاتحادية هو اختيار مدرّب على المقاس وفق الظروف التي يفرزها واقع ''الخضر''. بالمدرّب المحلي يلعب دوما دور رجل المطافئ، لإطفاء الحريق وإعادة بناء المنتخب، لتنتهي مهامه ''تلقائيا'' كلّما بدأت تلوح في الأفق معالم بناء منتخب وطني قوي على أسس صلبة. هواية تغيير رئيس الاتحادية للمدرّبين وجعل كل واحد منهم كبش فداء، ومحاولة التأثير عليهم، يفسّر جانبا مهمّا من ''فلسفة'' رئيس الاتحادية، الذي تحاشى طيلة فترة إشرافه على ''الفاف'' التعاقد مع مدرّب عالمي، رغم البحبوحة المالية التي تعرفها الاتحادية حاليا، على غرار اتحادية جنوب إفريقيا، حتى يتجنّب تنصيب ''تقني كبير'' تكون له الجرأة في وضع رئيس الاتحادية عند حدّه كلّما أراد التدخل في الجانب التقني. ورغم أن إشراف بن شيخة على منتخبين، الأول والمحلي، وطموحه المشروع في الإبقاء على التقليد القاضي بتحقّق إنجازات كروية جزائرية بلمسات تقنية جزائرية، فإن غياب معايير دقيقة وواضحة في تعيين وإقالة المدرّبين الوطنيين، تجعل رئيس الاتحادية في واجهة المهازل الكروية، كون روراوة أعطى الانطباع بأنه يفكّر في مستقبله أكثر من مستقبل المنتخب الوطني. نتائج تنحية مدرّب ناجح ما حدث ل''الخضر'' في مراكش يجعل إعادة التساؤل من جديد عن دواعي تنحية مدرّب ناجح مشروعة، حيث تخلّى رئيس الاتحادية محمّد روراوة عن رابح سعدان، وهو المدرّب الذي قاد التشكيلة ذاتها بسلبياتها وإيجابياتها إلى المونديال بعد غياب دام 24 سنة، ومنح ''الخضر'' مركزا رابعا في نهائيات كأس أمم إفريقيا، وكانت أفضل نتيجة للكرة الجزائرية منذ .1990 ما صنعه سعدان وجعله يلقى ''جزاء سنمار''، يؤكد بأن دفع المنتخب الوطني من القمة نحو الهاوية كان مبرمجا، حين أراد المسؤول عن الاتحادية سرقة نجاح ''الشيخ'' وطاقمه بخطّة 3 / 5 / ,2 التي انتقدت دون تقديم بديل عنها تضمن النتائج في الميدان. وبدا واضحا بأن إصرار وضع سعدان على الهامش ثم محاولة الاستثمار في إنجازه الكروي، هدفه ترك الانطباع بأنه تحقّق من ضربة حظ وبأن ''عزل'' صانع أفراح الكرة الجزائرية الذي رفعها إلى مصاف الكبار من العدم تقريبا، لن يغيّر من واقع ''الخضر'' وقيمته في شيء. ويقال في قاموس الكرة بأنه لا يجوز تغيير فريق يحقق انتصارات، وينطبق اليوم على حال المنتخب القول بأنه من الخطإ تغيير مدرّب يحقق إنجازات كبيرة.