لم يمنع ضغط العمل والدراسة، الجزائرية شهرزاد عيفة، المغتربة منذ سنوات بنيس الفرنسية، من المحافظة على التقاليد الجزائرية بكل تفاصيلها خاصة في الشهر الفضيل، لتصنع لها وطنا صغيرا في بيتها الذي حوّلته إلى قطعة مهربة من الجزائر. في وقتها المقسم بين الدراسة والعمل، تجد شهرزاد المقيمة بفرنسا منذ 7 سنوات لاستكمال دراستها في تخصص الحقوق، الوقت الكافي لاستحضار''ريحة رمضان'' في بيتها الصغير الذي يتعطر برائحة شربة فريك والبوراك وطبعا اللحم لحلو طيلة الشهر الفضيل، ولا تقبل شهرزاد تحت أي ظرف استبدال ''الشريبة'' ب''الصاندويتش'' على غرار بعض زملائها، حتى ولو كانت غارقة في العمل أو في عز الامتحانات. تقول شهرزاد وهي تحضر نفسها للمغادرة إلى عملها الصباحي: ''رمضان شهر مقدس بالنسبة إليّ، أحرص على أن أعيش كل تفاصيله، فالقرآن رفيقي طيلة سهراته لأختمه في نهاية الشهر، وأستمتع بعالمي الصغير في المطبخ أين أبدع أطباقا جزائرية لا تنافسها أشهر الأطباق العالمية''. ورغم التعب الذي يتضاعف في الشهر الفضيل، تستمتع شهرزاد يوميا بولوج ''السوق العربي'' بنيس، أين تقتني لوازم مائدة شهر الصيام، من الديول، القطايف ولوازم لحم الحلو وحتى السميد لتحضير الكسرة والمحاجب. مواصلة: ''إذا هفت نفسي على طبق ما لا أتكاسل عن تحضيره، فأنا خريجة مدرسة أمي التي أقدم أطباقها ببصمتي الخاصة ''اختك كل أصبع بصنعة'' تقول شهرزاد ضاحكة. وإذا كانت شهرزاد تقضي أغلب أيام رمضان وحيدة على مائدتها إلا في حال تبادلت الزيارات مع صديقاتها، خاصة وأن صديقتها المقربة ستقضي رمضان هذه السنة في الجزائر، تسترجع بحنين ذكريات السنوات الأولى لوصولها إلى فرنسا، أين كانت تتحول غرفتها بالإقامة الجامعية إلى مطعم رحمة تجمع بين جدرانها زملائها في الجامعة حول مائدة رمضانية جزائرية مائة بالمائة. تقول المتحدثة: ''يتضاعف الإحساس بالغربة عند حلول شهر الصيام، خاصة في السنة الأولى، فنشتاق للعائلة، والالتفاف حول المائدة وانتظار أن يرفع الآذان، لكنني وجدت في دعوة زملائي الجزائريين لنفطر على مائدة واحدة وسيلة لنسيان البعد عن الأهل والوطن ولو للحظات، فغرفتي كانت مفتوحة يوميا طيلة عمر شهر رمضان لعشرة أشخاص على الأقل، يستمتعون بتذوق الأطباق التي أحضرها، ونقضي معا السهرة الرمضانية، ويغادرون غرفتي وكأنهم اجتازوا الحدود الجزائرية''. ولا تستحضر شهرزاد ''ريحة رمضان'' بالطبخ فقط، إذا تختار من خزانة ملابسها الثياب التي تكشف عن هويتها الجزائرية الأصيلة، ولا تغادر بيتها في شهر الصيام إلا وهي ترتدي ''قندورة'' أو ''جلابة''، ولا ينقصها لاستكمال ديكور رمضان إلا صوت الأذان والعائلة.