خلال حصة ''حوار الساعة'' التي بثها التلفزيون سهرة الأحد، وخصصت لمناقشة قانون الجمعيات، حدثت مواقف ''تراجيدية''، حسب لغة أهل الفن الرابع، تعطي، في نظري، صورة دقيقة عن طبيعة الطبقة السياسية التي تتحكم في مصائرنا، وأسباب فشلها الذريع في تسيير شؤوننا. استكثر فينا أحد المتدخلين من الأفالان مناقشة قانون وهو مازال في مرحلة المشروع، واعتبر ذلك سبقا (سكوب) حققه التلفزيون الجزائري، لأنه لا يحدث في أي بلد، وكأنه يقول لنا ''أحمدوا ربي خليناكم تناقشوا''. لا يا سيدي، ففي كل دول العالم يناقش الناس على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد وكل وسائل الاتصال، مواد القوانين وهي في مرحلة المشاريع، وإلا ما فائدة النقاش إذا تمت المصادقة على القانون وأصبح ساري المفعول؟ فإذا كنتم تجهلون ما يحدث في العالم فهذه مشكلتكم. أما إذا كنتم تريدون التشريع وسن القوانين في ''السرية''، فهذه مشكلتنا كمواطنين وموقف ''تراجيدي'' يفسر بعض جوانب أزمتنا. أما رئيس اللجنة البرلمانية المكلفة بمشروع قانون الجمعيات، وهو من ''الأرندي''، فقد استهل تدخله بالتعليق على ما أسماه ''التعليقات الصحفية'' التي انتقدت القانون دون أن تعرف محتواه، كما قال، وتحدث بلهجة فيها الكثير من الثقة، وبطريقة توحي بأنه جاء إلى ''بلاطو'' التلفزيون مشحونا، للرد على كل من تسول له نفسه التطرق لنقائص أو عيوب في مشروع القانون. وأعتقد أن هذا البرلماني تسرع كثيرا وأساء التقدير، لأنه أثبت بعد ذلك أنه يجهل مواد مشروع القانون، وهو رئيس اللجنة المكلفة بدراسته وجمع المقترحات الخاصة بتعديله وإثرائه. وقد رد على سؤال منشطة الحصة بنفس الحماس والثقة وقال بأنه ''يتحدى'' من يذكر له مادة في مشروع القانون تمنع التمويل الأجنبي عن الجمعيات. وأمام إصراره وتأكيده على ''التحدي''، غيرت المنشطة مجرى النقاش لفترة، ثم عادت إليه، وأنا أحييها على ذلك، لتطلب منه ببساطة أن يتلو على مسامع الحضور والمشاهدين نص المادة 31 من مشروع القانون، فأخذ أوراقه وراح بسرعة فائقة يقرأ النص الذي يمنع التمويل الأجنبي عن الجمعيات بصيغة لا تدع مجالا للشك أو التأويل. ويبدو أن السيد رئيس اللجنة لم يتفطن للورطة التي وقع فيها إلا عندما انتهى من تلاوة النص، حيث توجهت نحوه كل الأنظار، عله يبرر التناقض الصارخ في أقواله، وأعادت المنشطة طرح سؤالها، لكنه راح يبحث في الأوراق الكثيرة التي كانت أمامه دون أن ينبت كلمة، واضطرت الصحفية لرفع الإحراج بإعطاء الكلمة لمتدخل آخر. إنه موقف ''تراجيدي'' آخر من مشهدنا السياسي الذي يتصدره مسؤولون منهم من يريد ''التشريع في السرية'' ومنهم من ''لا يعون ما يقولون وما يفعلون''.