عوّدتنا السلطات العمومية على اتخاذ إجراءات تهدئة وتقرّب من المواطن مع كل موعد انتخابي، وهي في الموعد هذه المرة أيضا من خلال تعليمات وزارة الداخلية للولاة ورؤساء الدوائر والبلديات، والتي تأمرهم بالتحاور مع المحتجين والتنقل في كل مرة إلى عين المكان لتهدئة الأوضاع. ومن المرتقب أيضا أن تتلقى السلطات الإدارية والأمنية، وكالعادة أيضا، أوامر بعدم التعرض للتجار الفوضويين، حتى ولو احتلوا الأرصفة والطرقات ومداخل المساكن والإدارات. والمهم أن يشارك المواطن وتمر الانتخابات في ''ظروف حسنة'' وبعد ذلك ''يرحمها ربي''. ومادامت أساليب التسيير والحلول المقترحة للمشاكل، تأتي دائما لمواجهة ظرف معين، ولا تنطلق من نظرة استشرافية تؤسس لبناء على المدى البعيد، فإننا لن نتقدم قيد أنملة. من المفترض أن الحوار أسلوب تعامل يومي لكل إداري ومنتخب، وليس وسيلة تستعمل، فقط، لامتصاص غضب المواطن في ظرف ما، أو لمغازلته من أجل ضمان مشاركته في عملية انتخابية. ومن المفترض أيضا أن المسؤول، مهما كان موقعه، لا ينتظر تعليمات فوقية ليسلك أسلوب الحوار، لأنه ''مكلف'' بتسيير المال العام وشؤون المواطن، وهي ليست ملكية خاصة يتصرف فيها كيفما شاء. وحيث إن المناصب عبارة عن ''استفادات'' لا تمنح، في أغلب الحالات، على أساس المؤهلات، فإن ''المستفيد'' يركز كل جهده على إرضاء ولي نعمته الذي عيّنه أو توسط له، ولا يشعر بأي فضل للمواطن، ولا يأبه للحوار معه، لأن ذلك لا يغير شيئا بالنسبة له.
وحيث إن الانتخابات لم تكن أبدا معبّرة عن الإرادة الشعبية الحقيقية، فإن العهدات لا تكون من نصيب المناضلين الحقيقيين، أصحاب المبادئ والأفكار المستنبطة من واقع المواطن وإرادة تحقيق الأفضل، وإنما من نصيب أولئك الذين ترعرعوا وشحذوا أسلحتهم ''النضالية'' داخل الأجهزة والهياكل، وتعلموا كل أساليب المناورة والتزييف، ولا يعرفون الحياة الجماعية والجمعوية، ولا يحسنون الحديث للناس، فكيف لهم بالإقناع؟ وفي احتجاجات المواطنين ورفضهم للحوار مع السلطات المحلية وخاصة المنتخبين، دروس كبيرة يجب استخلاصها إذا كانت هناك رغبة حقيقية في التغيير، ذلك أن الوجوه التي تتصدر الإدارة والمجالس المنتخبة الحالية، في أغلبها، عُينت أو ''انتُخبت'' دون إرادة المواطن، ولا تحس بفضله عليها، ولا ترى ضرورة أو فائدة من محاورته. المطلوب هو التغيير من الأساس