تعيش المجاهدة ذهبية بوهيني منذ 50 سنة، مأساة عنوانها التشرد، رغم تقدمها في السن. قضت السيدة ذهبية، 74 عاما، أزيد من خمسين سنة كاملة متنقلة بين الأهل بحثا عمن يحتضنها، فهي التي لا تملك مسكنا في جزائر العزة والكرامة، رغم شكاويها ونداءاتها المتكرّرة للسلطات المحلية لعلها تلتفت لحالتها، وهي المصنفة ضمن قائمة معطوبي حرب التحرير، كافحت إلى جانب المجاهدين وآوتهم في بيتها وأطعمتهم. ''منذ 1962 إلى غاية اليوم، وأنا أعيش مثل المنكوبين والمتشردين''. هذه بعض من تفاصيل المأساة التي تقول المجاهدة ذهبية إنها تعيشها يوميا، وتحوّل الأمر إلى هاجس يملأ عليها الآفاق كالوسواس، بشأن الوجهة التي تمضي إليها كلما حل يوم جديد، حتى أن عمر تنقلاتها بين الأهل من بيت لآخر يزيد عن نصف القرن، ما ولد لها متاعب وأمراضا عديدة ضغطت بثقلها عليها، كأمراض السكري والضغط الدموي والتهاب المفاصل. المجاهدة ذهبية، من مواليد 1938 بقرية تاقة ببلدية آيت يحيى دائرة عين الحمام بولاية تيزي وزو، لم تر والدها البتة، حيث توفي خلال الحرب العالمية الثانية، فيما تعرّضت هي لقصف بمروحية للجيش الفرنسي، حيث تم إدراجها ضمن قائمة معطوبي حرب التحرير، وقدّرت نسبة الضرر الذي تعرّضت له ب70 بالمائة. وكافحت وناضلت إلى جانب المجاهدين إبان ثورة التحرير، واستضافتهم في بيتها للتزوّد بالمؤونة. ولكن محنتها لم تنته مع ذهاب ليل الاستعمار، حيث بعد الاستقلال، احتضنتها عائلتها ومنحتها كوخا متواضعا، لا يقوى حتى على مقاومة عوامل الطبيعة، بل ولا يليق بتاتا لاحتضان حياة عائلية، بدليل أن ذهبية أرادت أن تزوّج ابنها الوحيد مع نهاية ستينيات القرن الماضي، ولكن حالة الكوخ لم تسمح بذلك، خاصة أنها تفتقد لإمكانيات مادية حالت دون تحسين حالة البيت أو استئجار منزل. إلا أن الوضع الذي راح يضغط عليها جعلها تستنجد بالسلطات المحلية لولاية تيزي وزو، لعلها تلتفت لحالتها وتأخذ بعين الاعتبار حالتها، كمجاهدة ساهمت في تحرير الجزائر من الاستعمار ولم تبخل بما لديها، رغم قلته، لدعم المجاهدين، بمنحها سكنا لائقا يحفظ لها كرامتها ويضع حدا لرحلة تشردها. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث حالت ألاعيب المسؤولين وانتهازيتهم دون حصول ذهبية بوهيني على سكن. وقد قدمت لنا السيدة وثائق تبرز اعتراف مصالح البلدية والولاية بأحقيتها في الحصول على سكن لائق، بينها محضر معاينة للمصالح التقنية لبلدية آيت يحيى، جاء فيه ''نحن (ك. آيت علالة) ممثل المصالح التقنية، انتقلنا إلى عين المكان رفقة المعني بالأمر، ووقفنا على حالة مسكنها، المتكوّن من غرفة واحدة، مبني بالحجارة والطوب، مع سقف مهدّد بالسقوط، وحالة هذه الغرفة الوحيدة شبيهة بكوخ''. وهو المحضر الموقع من رئيس المصلحة التقنية ورئيس المندوبية التنفيذية قبل سنة .1996 فيما تشير وثيقة أخرى وقعها نائب المدير العام لمصلحة التسيير العقاري لولاية تيزي وزو سنة 1995، إلى أن ملف المجاهدة ذهبية بوهيني قد تم تسجيله وسيحظى بالمتابعة، على أن تشكل لجنة تحقيق للتأكد من المعلومات حول ظروف الإقامة المزرية التي يتم على أساسها منح مجموعة من النقاط لصاحب الملف. كما تشير تعليمة وجهها رئيس ديوان والي تيزي وزو بتاريخ 22 جانفي 2000 نيابة عنه إلى رئيس دائرة عين الحمام ورئيس بلدية آيت يحيى، جاء فيها ''إن حالة بوهيني ذهبية حالة اجتماعية خاصة، تستدعي من اللجنة البلدية التكفل بها، بدراسة وضعيتها، واستدعائها وفقا لما ينص عليه المرسوم 42/98 الصادر في 10/02/.''1998 ومع ذلك، فإن المجاهدة استبعدت من الاستفادة من حصة السكنات الاجتماعية التي تم توزيعها ببلدية آيت يحيى بعين الحمام سنة 2007والمقدرة بأزيد من 60 مسكنا، فضلا عن ملابسات أخرى، تستدعي طرح مزيد من الأسئلة، بشأن الجهات المخولة بتوزيع السكنات. فهل بهذه الطريقة يتم معاملة مسنة ومعطوبة حرب، تنهشها الأمراض وحياة التشرد، خاصة أن وضعيتها ازدادت تدهورا أكثر منذ 2003 بعد أن استولى على كوخها بعض أقربائها وطردوها منه، في وقت يستفيد كل المجاهدين من مختلف الامتيازات، فما الذي حال دون التفات الجهات الوصية إلى هذه الحالة؟ كلمة أخيرة نطقت بها هذه المجاهدة، أنها تخشى أن يدركها الموت وهي لا تملك بيتا يستقبل فيه المعزون.