نقاش حاد ورفيع المستوى يجري بين الاتجاهات السياسية في مصر ويبشر بميلاد مصر جديدة مهما كانت نتائج الدور الثاني من الرئاسيات المصرية.. لأن مصر بالفعل وُضعت على سكة بناء نظام سياسي لا يقبل بعودة الاستبداد، مهما كان مصدره، فلو انتصر الإسلاميون بالرئاسيات، كما انتصروا بالتشريعيات، فلن يزيدهم ذلك إلا ضعفا أمام الرأي العام الثائر، والذي لا يريدهم أن يستأثروا بكل مؤسسات السلطة في البلاد.. وسيواجه الإسلاميون ضغوطا من الشارع، ومن المؤسسات النظامية للدولة، تحملهم على احترام مكتسبات الشعب المصري، وعدم الذهاب إلى تطبيق برنامجهم، الذي ناضلوا من أجله 08 سنة، وهو إعادة صياغة الحياة المصرية، وبذلك يفقد الإسلاميون بريقهم السياسي تماما، مثلما فقدوا بريقهم الانتخابي من خلال تحولهم إلى أقلية انتخابية في أول انتخابات تعددية تلي انتخابات البرلمان المصري، رغم فوزهم بالمرتبة الأولى في الرئاسيات، وهم الذين كانوا يقولون: إنهم سيحسمون الأمر في الدور الأول. أما إذا فاز مرشح الفلول وانهزم الإخوان في الدور الثاني للرئاسيات، فإن تداعيات ذلك ستتخطى حدود مصر إلى أصقاع عديدة في العالم العربي والإسلامي، لأن فشل الإخوان في مصر سيحرك الفشل لفروعهم في العديد من دول العالم العربي، وفي نفس الوقت سيكون الرئيس الجديد في مصر قويا لأنه هزم ''بعبع'' العالم الإسلامي بأكمله! ولكنه سيكون ضعيفا أيضا، لأنه سيواجه تيارا إسلاميا منظما ومتحصنا بالبرلمان بأغلبية.. وقد يتحالف هذا التيار مع قطاعات واسعة من الثوار الذين يناصبون العداء لمرشح الفلول.. وفي هذه ضمانة إضافية ليكون الرئيس المصري القادم غير قادر على بعث نظام الفلول البائد فضلا عن الحكم به، أو ممارسة مظالمه. ومعنى هذا الكلام أن الرئيس الجديد لن يكون أمامه سوى المضي قدما في بناء دولة المؤسسات والقانون والانصياع لإرادة الشعب، وأن تأثيرات هذا أيضا على العالم العربي ستكون كبيرة وحاسمة. الأمريكان كانوا يتصورون أن ميلاد الشرق الأوسط الجديد يمكن أن يبدأ من العراق.. لكن الواقع يقول اليوم إن ميلاد هذا الشرق الأوسط الجديد يمكن أن يبدأ من القاهرة. المحزن حقا بالنسبة إلينا نحن في الجزائر.. أننا في الوقت الذي نلاحظ فيه الشقيقة مصر تضع الأسس لنظام جديد في مصر وفي المنطقة.. نضع نحن في الجزائر الأسس لنظام مهترئ، يشبه إلى حد بعيد نظام مبارك قبل سقوطه.. نظام تزوج فيه المال الفاسد مع الرداءة السياسية، وأنجبا ديمقراطية مشوهة بمرض التزوير القانوني الذي مارسه مبارك ومؤسساته قبل السقوط بالثورة! نحن نصّبنا برلمانا أسوأ من برلمان مبارك، اختفت فيه المعارضة، وهزلت فيه السلطة والأحزاب.. وتغوّلت فيه الرداءة، والفساد والتزوير.. حتى أن حزبا مثل الأفافاس الذي كنا نعتبره رمزا المعارضة الشرسة والشريفة أصبح يمارس الإقصاء لمناضليه بنفس صيغ السلطة، كالتخوين والاتهام بالسرقة. هكذا إذن.. بالانتخابات مصر تنجو.. وبالانتخابات نفسها الجزائر تغرق في عالم ''البلطجة'' السياسية بالقانون! [email protected]