رغم تأكيد المسهل الفرنسي جون بيار رافارين، في تصريح ل''الخبر''، على أن اتفاق ''رونو'' كان متوازنا للجانبين، إلا أن الانطباع السائد هو نجاح الشركات الفرنسية في افتكاك أقصى حد من التنازلات الجزائرية لتجسيد مشروع تركيب السيارات ''رونو'' والأدوية ''صانوفي أفانتيس''، في انتظار التوقيع، خلال بداية السنة، على اتفاق ''لافارج'' الذي تم إرجاؤه. بدا واضحا أن مشروع ''رونو'' في الجزائر، جاء كنتاج لضغط غير معلن للحكومة الفرنسية على الصانع الفرنسي الذي يعاني من أزمة في المبيعات، حيث تظل الحكومة الفرنسية مساهما في ''رونو'' بنسبة 01, 15 بالمائة، خاصة أنه من الناحية العملية والاقتصادية لا يحقق مردودية كبيرة، لكونه جاء متأخرا بعد إقامة مصنع طنجة المغربي، وتم تجسيد المشروع لأسباب سياسية ورمزية أكثر منها اقتصادية. فالشركة الفرنسية توازن بين مصالحها التجارية في السوق الجزائرية التي ترغب في الحفاظ عليها، لكونها تتمتع بمركز الريادة بمعدل يتراوح ما بين 100 إلى 120 ألف وحدة وبين إرضاء الجانب الجزائري الذي ''أصر'' على افتكاك عقد ولو كان رمزيا وهو ما تم، فعلا، خلال زيارة هولاند. ووفقا لتوقعات كشف عنها جون كريستوف كوغلر، مدير الحوض المتوسط وإفريقيا لمجمع ''رونو'' الموقّع للاتفاقية بالجزائر، فإن الجزائر تعتبر ثاني سوق في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا وبعيدا جدا عن المغرب. فمع نهاية نوفمبر، سجلت جنوب إفريقيا 477 ألف ترقيم جديد، مقابل 409 ألف في الجزائر. ويمكن للجزائر أن تصبح في الريادة إذا حافظت على نسبة النمو الحالية المقدرة ما بين 45 و47 بالمائة مقابل 9 بالمائة لجنوب إفريقيا، وهذا العامل يدفع الشركة الفرنسية ''رونو'' إلى ضمان التموقع في السوق والحفاظ على ريادتها. وعلى هذا الأساس، نجح المفاوض الفرنسي في افتكاك تنازل أول من الجانب الجزائري يضمن حصرية لمدة ثلاث سنوات، وإن طالب سلفا بخمس سنوات وهو ما يضمن له السوق ويبعد أي منافسة على رأسها ''فولكسفاغن'' التي كانت تتفاوض لإقامة وحدة أهم بالجزائر. كما تحصل على مزايا أخرى تتمثل في ضمان تسويق كافة الكمية، مع تكفل الدولة بأخذ على عاتقها، ما لم يتم تسويقه لتوضع في متناول الجماعات المحلية، فضلا عن توفير كافة الظروف الملائمة بما في ذلك التركيب المالي، فمساهمة ''رونو'' المعلنة هي 50 مليون أورو، بينما المشروع الخاص بتركيب السيارات الذي يقام بواد تليلات بوهران على مساحة 152 هكتار، فيقدر بحوالي مليار أورو وهو قيمة تعادل ما أنفق في مصنع طنجة المغربي الذي ينتج 400 ألف وحدة. وعليه، فإن الشركة التي تخضع للقانون الجزائري، ستستفيد من إمكانية الوصول إلى التمويل البنكي في الجزائر، لأن حصة الشريك الفرنسي تصل إلى 490 مليون أورو على الأقل ''حصة 49 بالمائة'' من قيمة المشروع، وبما أن الشركة ستخضع للقانون الجزائري ونسبة 51 بالمائة من الحصص جزائرية، فإنها ستلجأ إلى التمويل البنكي. كما حصل الشريك الفرنسي، وفقا لعقد الشركاء، على حق التسيير، علما أن ''رونو'' تمتلك 49 بالمائة من الحصص مقابل 51 بالمائة للشركة الوطنية للسيارات الصناعية والصندوق الوطني للاستثمار. ويقوم المصنع في مرحلة أولى بإنتاج 25 ألف وحدة لصنف واحد هو ''سامبول'' الذي يصنع في رومانيا ولكنه لا يسوق في فرنسا ويؤتى به جاهزا، بمعدل 7 سيارات في الساعة، ليرتفع بعدها في غضون الخمس سنوات التالية للمشروع إلى 75 ألف وحدة أي ما يعادل 15 سيارة في الساعة، بنسبة إدماج تبدأ بحوالي 20 بالمائة، لتصل إلى 42 بالمائة تدريجيا، مع إقامة شبكة للمناولة والاستثمار في عدد من التخصصات منها وحدات الهياكل والطلاء ولم تقتصر التنازلات الجزائرية على ملف ''رونو''، بل تعداه إلى ملفي ''صانوفي'' و''لافارج''، فقد استفادت الشركة الفرنسية ''صانوفي'' من تسهيلات للاستفادة من العقار الصناعي بنظام الامتياز ومن مزايا الاستثمار لإقامة مصنع سيدي عبد الله، بينما تم تجاوز الإشكال الذي طرح من قبل ''لافارج'' في عملية الدمج مع ''أوراسكوم''.