نقلت تقارير إعلامية ما يفيد بمقتل 60 جهاديا إثر الغارات الجوية لسلاح الجو الفرنسي على مدينة غاو بمالي، وتردد أن الحصيلة كانت أكثر بكثير في عمليات حسابية، ''صعب'' على الجيش الفرنسي ضبطها، كما صعب على التنظيمات المسلحة عد الضحايا الفرنسيين، في غياب ما يدل فعلا على أن ثمة حربا في الشمال. يصعب على متتبعي الحاصل في شمال مالي تقييم خسائر الحرب التي تشنها فرنسا خاصة في غاو، معقل الجماعات الجهادية، سواء من جانب الجيش الفرنسي أو من جانب التنظيمات المسلحة، في غياب ما يفيد، أصلا، بأن حربا يصفها وزير الدفاع الفرنسي ب''الناجحة''، تدور رحاها ليس بعيدا عن الحدود الجنوبية للجزائر. ويسود الغموض العمليات العسكرية الدائرة في ظل انسحاب الصحافة الدولية من مشهد الحرب، فصارت تعتمد على سكان مدينة غاو لإطلاعها على حصيلة القتلى إثر الغارات التي يقال إنها استهدفت معاقل حركة التوحيد والجهاد، وحركة أنصار الدين، ومخازن أسلحتهما. فنقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ''مواطن'' في غاو، قوله إن ما لا يقل عن 60 جهاديا سقطوا في ''معارك'' بين الجهاديين والجنود الماليين المدعومين بسلاح الجو الفرنسي، ومعلومة هذا المواطن الذي ربما يكون استفاد من هاتف ''نقال'' لإبقائه رهن التواصل من ''غاو'' مع الصحافة، الموجود بعضها في العاصمة باماكو، تداولت على نطاق واسع عبر الأنترنت، في تقارير تناولت كل التفاصيل، إلا ما تعلق بصور القتلى أو الجرحى، فهي مفقودة. المعلومة نقلت كذلك بطريقة ''مصادر عسكرية'' زادت لحصيلة المعارك بعض القتلى، من جانب الجهاديين، فنقلت وكالات أخبار تصريحا ل''مصدر عسكري مالي'' يقول إن الجهاديين كانوا يسقطون تباعا، وأنه لا يمكنه عد القتلى ''لأننا عندما ندمر عربة لجهاديين لا يمكننا معرفة كم كان بداخلها''، بينما تبرير كالذي ساقه هذا المصدر، يكون لاغيا، بمنطق يقول إن عربة ''بيك أب'' تسع أربعة جنود كأقصى تقدير. ويسود ارتباك من جانب القوات النظامية المالية والفرنسية، في حرب بدت أنها تدور في ''ظلام''، من حيث يتوجب طرح سؤال بشأن خلفية عجز الماليين والفرنسيين عن تقديم حصيلة أقرب إلى الصواب لعدد القتلى والجرحى من الجانبين، فاكتفى ضابط فرنسي بالقول لوكالة ''فرانس برس''، إنه بين 1200 إلى 1400 جهادي شاركوا في القتال ضد القوات النظامية، ولا يعرف كم من بينهم لقي مصرعه؟ ومصدر فرنسي آخر يقول إنه يعتقد ''أن الجهاديين تكبدوا خسائر معتبرة.. لكننا لا يمكننا عدها''. واعتمدت تقارير إعلامية على سكان المنطقة في غاو وكيدال لمتابعة أطوار حرب خالية من ''الدلائل''، فنقلت عن مواطنين قولهم إن ''الجهاديين ومنذ بدء الطلعات الجوية الفرنسية كانوا يختبئون في البيوت، ولا يبرحونها إلا ليلا حيث يجمعون جثث قتلاهم ويفرون''، وهي معلومات نقلها أيضا عسكريون ماليون من طينة ''المصادر العسكرية''، لكن لا أحد من الصحفيين الفرنسيين والماليين ومن الجنسيات الأخرى رأى بعينيه ما يحصل، كما درج عند هؤلاء قبل بدء الحرب، واقتربوا حتى من الضباط الماليين والقادة العسكريين للتنظيمات الجهادية لمعرفة ما سيحدث، لكنه لما حدث، فعلا انسحب الجميع. ونقلت تصريحات ل''أحد نواب المدينة غاو''، دون ذكر اسمه، قوله: ''لقد قام الفرنسيون بعمل جيد.. كل الإسلاميين تقريبا فروا من المدينة، ومن بقي منهم مختبئ في المنازل وينتظر حلول الظلام للفرار''. المعروف أنه في كل الحروب تلعب ''الصورة'' دور المغالبة الدعائية، فقد رافقت الصورة العدوان الإسرائيلي على غزة قبل أسابيع، من حيث استنهضت الشعوب ضد العدوان، كما رافقت الصورة ثورات الربيع العربي، والحرب في ليبيا، وأظهرت للعالم كيف قضي على امعمر القذافي، وترافق الصورة ما يحدث في سوريا رغم صعوبة نقلها، لكن الأمر بدا مختلفا لما تعلق الأمر بالحرب في مالي، وكأنها ''حرب افتراضية'' لم تنقل فيها الصورة رغم سهولة مهمة التصوير لدى الجيش الفرنسي، بإمكانياته الكبيرة، أو ما تعلق أيضا بالجهاديين الذين درجوا على تصوير ما يصفونه ب''الإنجازات''، ويكفي لتلخيص هذا الوضع قول المتحدث باسم حركة أنصار الدين، أمس، إن ''ما تداوله الإعلام الغربي حول المعركة مجرد هراء وأكاذيب''. وتابع سندة ولد بو عمامة: ''نحن نتحدى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن يعرض صورة واحدة من داخل البلدة، نتحداه أن ينشر صورة من داخل مستشفى البلدة الممتلئ بضحايا طائراته من السكان''. لكنه، هو الآخر لم ينقل أي صورة لما يعتبره ضحايا.