يحمل الكشف رسميا عن إصابة الرئيس بالمرض وعن طبيعة المرض وبأنه سيدخل في فترة نقاهة، قراءة واحدة على الأقل هي أن المنافسة على كرسي الرئاسة في 2014 ستكون مفتوحة. ويفهم منه أنه لم يعد هناك حاجز أمام الشخصيات التي ترغب في الترشح وكانت ترى أن رغبة بوتفليقة البقاء في الحكم يقتل طموحها. على عكس البيان الذي صدر مساء أول أمس، لم يتضمن البيان الذي نشر في نوفمبر 2005 عشية نقل الرئيس بوتفليقة إلى باريس لتجرى عليه عملية جراحية، أية إشارة إلى طبيعة مرضه. وكل ما جاء فيه أن حالته الصحية تحتاج إلى فحوصات طبية معمقة في فرنسا. وظلت حالة الرئيس طي الكتمان طيلة أيام، بينما كانت الإشاعة هي المصدر الرئيسي في تغذية وسائل الإعلام بالمادة عن تطورات استشفاء الرئيس ب''فال دوغراس''. وتفاقمت الإشاعة بتدخل الطبيب الفرنسي المعروف، دوبري، على الخط، من موقعه برلمانيا من اليمين الفرنسي، عندما قال إن أعراض مرض الرئيس الجزائري توحي بالإصابة بسرطان في المعدة. وأهم معطى في فترة علاج الرئيس بفرنسا، أن حالة بوتفليقة الصحية أصبحت منذ نهاية 2005 عنصرا جديدا في الساحة السياسية. ولا يزال تداولها مستمرا إلى اليوم. أما العنصر الثابت في فترة حكمه، هو أنه قتل طموح الراغبين في خلافته بحكم تمسكه بالاستمرار في الحكم. لكن هذا الوضع تغير منذ يومين، لأنه اتضح أن صحة الرئيس لا تسمح له بخوض غمار عهدة رابعة. وبذلك انتهى احتكار الترشح للرئاسة الذي دام قرابة 15 سنة، ما يبعث من جديد طموح الكثير من الشخصيات المؤهلة للمنصب الأعلى للدولة، والتي لزمت بيوتها مادام بوتفليقة كان موجودا، ويعطي في نفس الوقت حظوظا قوية للذين أعلنوا ترشحهم مثل أحمد بن بيتور، ويدفع العديد ممن يرون أنفسهم أنهم مارسوا أهم المسؤوليات وبقيت فقط الرئاسة، وأبرزهم عبد العزيز بوتفليقة وعلي بن فليس، وربما أحمد أويحيى. كما تعطي الوضعية الجديدة الفرصة لمترشحين سابقين لتأدية دور المترشح الحقيقي بعدما كانوا أرانب رافقوا الرئيس في موعدي 2004 و2009، وأهمهم لويزة حنون. وقد ظل ملف الرئيس الطبي سرا كبيرا طول فترة سبع سنوات ونصف السنة، إذ لم يحصل أبدا أن أبلغت الرئاسة أو عائلة بوتفليقة الرأي العام بما يعاني منه، بل على العكس من ذلك طلب هو شخصيا في 2006، وفي حديث مع صحفي من وكالة الأنباء الفرنسية، بأن يتوقف المنشغلون بمرضه عن السؤال عن صحته. واللافت أن الرئيس سير بطريقة غريبة الأخبار التي نشرت عن مرضه في السنوات الماضية. فكلما تفاقم الحديث عن حالته الصحية، يخرج إلى العلن لتكذيبها. ويحتفظ المهتمون بقضية مرض الرئيس بحادثتين بهذا الخصوص، الأولى عندما تنقل إلى مستشفى عين النعجة لزيارة عالم الدين المصري، يوسف القرضاوي، الذي أصيب بوعكة، وحينها انتشرت بقوة إشاعة تتحدث عن وفاته. والثانية لما استقبل عائلة لاعب كرة القدم زين الدين زيدان مع شقيقيه مصطفى والسعيد، في الإقامة الرئاسية جنان المفتي، وحينها كانت إشاعة وفاته ووفاة شقيقه الطبيب مصطفى انتشرت بسرعة وأخذت بعدا تعدى حدود البلاد. ورغم أن الدستور لا يلزم الرئيس ولا أية مؤسسة في الدولة بنشر تقارير دورية عن صحة رئيس الجمهورية عندما يكون مريضا، فإن تراجع نشاط بوتفليقة منذ بداية عهدته الثالثة وغيابه بشكل كامل تقريبا في نهايتها بسبب مرضه المزمن، أثر على أداء المؤسسات. فقد توقف مجلس الوزراء كليا، وتوقفت زيارات الرئيس داخل البلاد وناب عنه وزيره الأول عبد المالك سلال. وحتى في أخطر الأزمات، كحادثة منشأة الغاز بعين أمناس (منتصف جانفي الماضي)، غاب بوتفليقة. وفي الخارج، لم يعد للرئيس أي دور ولو شكلي بسبب غيابه عن أهم الاجتماعات التي أصبح يحضرها عبد القادر بن صالح نيابة عنه. ويرجح بأن الظروف التي مرت بها البلاد في المدة الأخيرة تركت أثرا بالغا على نفسية الرئيس، وانعكست على حالته الصحية. فالفضائح التي تشير إلى تورط أقرب الناس إليه، شقيقه ومستشاره السعيد، وأبرز معاونيه كوزير الطاقة السابق شكيب خليل، كانت بمثابة اتهام مباشر إليه.