من قال للسلطة إن نفسية الجزائريين ستتضرر وسيدخلون في نحيب قاتل إذا نشرت صحيفة ما خبرا يوحي برحيل الرئيس بوتفليقة؟ شخصيا، أنا مقتنع تماما بأن عهد بوتفليقة السياسي انتهى، وعلينا التفكير في مستقبل الجزائر بعيدا عن الأشخاص مهما علا شأنهم ومهما قدموا لهذا البلد. فقبل بوتفليقة مات كثيرون، وأكرمهم الجزائريون حق إكرام، سواء من دموعهم أو من دعواتهم بالرحمة أو حتى ب''مسامحتهم''. مات الرئيس هواري بومدين وصُدم الملايين بموته وخرجوا إلى الشوارع يبكونه. ومات الرئيس محمد بوضياف قتلا بالرصاص، وبكى معه الجزائريون، حال البلاد وقتها، وظهر لهم أن الجزائر هلكت بموته. ومات بعدهما ثلاثة رؤساء آخرين هم أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد وعلي كافي، فخرج الناس بعفوية إلى شوارع العاصمة لتوديع جثامينهم. اليوم، يقف الجزائريون أيضا، كما عرفهم العدو قبل الصديق، موقف الاحترام لرجل اسمه عبد العزيز بوتفليقة، أدى ما عليه خلال 14 سنة، لكن هل بموته تتوقف الحياة؟ بالتأكيد.. لا. ربما هناك كثيرون سيتضررون من رحيل بوتفليقة وهم بالأساس المنتفعون المباشرون من وجوده في السلطة لمدة 14 سنة، وهؤلاء هم الذين أزعجهم ربما انشغال الصحف بخبر مرض الرئيس بوتفليقة، أما عامة الشعب فقد اعتادوا على الحزن أكثر من الفرح. لكن النقاش الحقيقي برأيي يخص هذا المرض المزمن لدى السلطة في التعاطي السيء مع توصيل المعلومة للشعب: الإشاعة دائما سيدة الموقف، ودائما ينتظر الجزائريون شخصا يأتيهم من النافذة عندما تكون عيونهم متجهة إلى الباب. وفي حالة بوتفليقة مثلا، نطقت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الفرنسيتين لتقول للجزائريين إن الرئيس موجود في فرنسا ولم يدخل الجزائر. لكن في حالات سابقة لم نحصل على المعلومة، فلم نعرف كيف مات بومدين، ولم نعرف من قتل بوضياف، ولم نعرف ملابسات مقتل العقيد علي تونسي مدير الأمن.. وهناك أمثلة كثيرة ومتشابهة. والمشكلة لم تكن أبدا في الصحفيين الذين يبحثون عن المعلومة، لأنها هذه مهنتهم، وإنما المشكلة كانت ولا تزال في السلطة التي ظلت تمارس الوصاية ولا تريد الانتباه إلى ما يجري حولها من تطور. بالأمس كان بالإمكان منع صدور جريدة ومنع بث برنامج تلفزيوني، أما الآن، فالمعلومات تصلك إلى جيبك، حيث يوجد هاتفك.. فإلى متى الاستغباء؟