سترافق الانتخابات الرئاسية المقبلة العديد من العيون الدولية لمراقبة مدى تطبيق "مسار ديمقراطي" بشأنها، مثلما شدّدت عليه نائب كاتب الدولة الأمريكية المكلفة بالشؤون السياسية، ويندي شرمان، التي قالت إن واشنطن "ترحب بأي رئيس أو حكومة منتخبة عبر مسار ديمقراطي". ليرد في نفس اليوم الزعيم الجديد لحركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، بأنه "لم تظهر مؤشرات تفيد بأن الانتخابات ستكون مفتوحة هذه المرة، يكفي فقط ملاحظة كيفية التعامل مع مرض الرئيس". وإن حذر مقري من أسماهم ب "الأقلية النافذة" من استنساخ اختيار الرئيس المقبل بالطريقة التقليدية، فإن أحزاب التيار الإسلامي طالبت ب "ضمانات" وشروط يجب توفيرها في رئاسيات 2014، وهو ما يعني أن الطبقة السياسية، وخصوصا المعارضة، تريد أن ترمي بكل ثقلها حتى لا يكون المتنافسون مجرد أرانب في لعبة محسومة النتائج سلفا، وبذلك يكون قد بدأ الضغط الداخلي والخارجي على السلطة. أحزاب السلطة تتحدّث عن خطر خارجي وتهديدات أمنية عودة خطاب التخويف لترتيب رئاسيات 2014 بدأ، في الأسابيع الأخيرة، خطاب يقتحم عنوة الساحة الوطنية، يشير إلى أن الجزائر تواجه ما يسميه عبد الرحمان بلعياط “خطورة الأجندات السياسية التي تحاول أطراف دولية فرضها على الجزائر” . وإن كان هذا الخطاب أريد من خلاله إسكات أصوات المنادين بتفعيل المادة 88 على رئيس الجمهورية، غير أنه يرمي لترتيب انتخابات رئاسية على “المقاس” . رغم تأكيد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في رده على سؤال إن كان يتوقّع دخول الجزائر في دوامة من الفوضى بحكم الوضع الصحي للرئيس أو علاقة بمرحلة ما بعده، بأنه “لا أعتقد دخول الجزائر في فوضى له علاقة بهذا الوضع، لأن المؤسسات في الجزائر لها متانة كبيرة”. غير أن مثل هذه التطمينات لم تمنع من بداية بروز خطاب في الساحة الوطنية يستعمل لغة “التخويف” إزاء ما يمكن أن تتعرض له البلاد من أخطار خارجية، على خلفية مرض الرئيس واقتراب موعد رئاسيات 2014. لكن الملاحظ أن هذا الخطاب الذي لجأت إليه أحزاب السلطة لوقف مطالب أحزاب المعارضة، يحمل في طياته العديد من التناقضات، فمن جهة أحزاب السلطة تقول إن مرض الرئيس لم يؤثر على سير مؤسسات الدولة التي تعمل بصفة عادية، وتبدي تخوفها في الجانب المقابل مما تسميه محاولات “ضرب استقرار البلاد”، في إشارة إلى المعارضة التي تروج للمادة 88 من الدستور، على خلفية مرض رئيس الجمهورية. ومن هذه الزاوية، يأتي تصريح المنسق العام للأفالان عبد الرحمان بلعياط في ولاية تيبازة، الذي قال فيه إن الأحزاب التي “تنادي بتفعيل المادة 88 من الدستور، غير واعية تماما بالتحديات التي تواجهها البلاد، وأصحابها غير مدركين لخطورة الأجندات السياسية التي تحاول أطراف دولية فرضها على الجزائر”. وتقريبا نفس الخطاب قاله رئيس حزب “تاج “ والوزير، عمار غول، في أن” الجزائر تقف اليوم أمام تحديات خطيرة ورهيبة تسعى لاستهداف استقرارها، وتستدعي تكاتف الجهود من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية”. وحتى وإن كان خطاب التخويف ليس جديدا في الجزائر، بحيث ظل دوما يستعمل من قبل السلطة لتشديد قبضتها على الحكم، غير أن اقترانه هذه المرة بمرض الرئيس وباقتراب موعد رئاسيات 2014، يؤشر إلى أن النظام لجأ إلى استعمال بعبع “الخطر الخارجي” لتقويض المطالب الجارية في الساحة السياسية، والداعية إلى ضرورة “الشفافية” بشأن الرئاسيات المقبلة ودعوتها لإخضاع الجيش والمؤسسة الأمنية إلى رقابة السلطة المدنية. ويفهم من عودة خطاب التخويف، أن هناك تفكيرا جاريا داخل أجهزة النظام، لإعادة استنساخ ما يسميه رئيس حمس عبد الرزاق مقري “السيناريو التقليدي للرئاسيات”، والمتمثل في البحث عما يسمى “مرشح السلطة متوافق عليه بين أطرافها” وإخراجه للمواطنين للانتخاب عليه، مثلما جرت عليه العادة منذ الاستقلال. ويؤشر هذا التوجه أن الذهاب إلى انتخابات ديمقراطية ما يزال بعيد المنال، ويبرر هذا الأمر من قبل أحزاب السلطة بأن “التحديات الخارجية” التي تواجهها الجزائر، لا تسمح بذلك، وهو تبرير لا يستند لأي معطيات حقيقية، ما عدا رفض التداول على السلطة.