شدد رئيس مجلس دول الكونفدرالية السويسرية، كلود هيش، على رغبة الجانب السويسري في التعاون مع الجزائر وتوسيع دائرة الشراكة الاقتصادية والسياسية، والتنسيق في جميع المجالات، مشيرا إلى تقاطع المواقف والتصورات بين البلدين في العديد من الملفات والقضايا، منها الملفان المالي والليبي، حيث ثمّن المسؤول السويسري الدور الذي تلعبه الجزائر في هذا المجال، ودعا إلى تسهيل عمل المؤسسات السويسرية لاسيما الصغيرة والمتوسطة لفهم واستيعاب أفضل لمناخ الأعمال، مؤكدا أن سويسرا تعمل على ضمان الانخراط في المساعي الدولية الرامية إلى محاربة كافة أشكال التهرب الجبائي والتأكيد على أن بيرن تريد أن تبقى ساحة مالية نزيهة، مستطردا بأن سويسرا تولي أهمية بالغة للتوقيع على اتفاق التبادل الحر الذي لايزال عالقا منذ 2009. سيدي الرئيس، باشرتم زيارة إلى الجزائر، هل بالإمكان معرفة أهداف هذه الزيارة، وهل تأتي كامتداد لزيارات سابقة لمسؤولين بمجلس الدولة السويسري للجزائر في 2004 ورئيس مجلس الأمة الجزائري للعاصمة بيرن في 2006، أم أنها تعكس إرادة لتوثيق العلاقات الثنائية أكثر؟ في الواقع يراد من الزيارة بلوغ الهدفين معا، وكنت آمل أن أقوم بزيارة رسمية إلى بلدكم القريب جدا من سويسرا خلال عهدة رئاستي لمجلس الدول، وهو بمثابة مجلس للشيوخ، وندرك أنه تربطنا بالجزائر مصالح كثيرة ومتعددة، كما نتقاسم معها مواجهة تحديات مشتركة، وفي اعتقادنا أنه بإمكان البرلمانيين أن يؤثروا على مسار دعم العلاقات بين البلدين. توصف العلاقات الثنائية الجزائرية السويسرية بأنها جيدة إلى حد ما، كون جذورها تعود إلى حقبة ثورة التحرير في الجزائر والدور الإيجابي الذي لعبته سويسرا في المفاوضات التي احتضنتها مدينة إيفيان بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والسلطات الفرنسية الاستعمارية، كيف تقيمون هذه العلاقات وهل من وسائل للرفع أكثر من مستواها؟ هذا صحيح، فمجيء ممثلي جبهة التحرير الوطني إلى سويسرا والدور الذي لعبته سويسرا الذي ساهم في إبرام اتفاقيات إيفيان في 1962، سمح بإرساء رابط تاريخي متين في علاقتنا، وأكثر من ذلك إقامة علاقات صداقة وعلاقات أسرية ظلت قائمة ودائمة، إلا أن هذه العلاقات يمكن أن تنمو وتتطور أكثر، ولا يجب أن نكتفي بمآثر الماضي ومزاياه، حيث يتعين أن نضفي على علاقتنا ديناميكية جديدة وتجديدها، وهنالك مجالات عديدة للتعاون منها المبادلات السياسية والاقتصادية والمحيط والبيئة والتكوين والثقافة. نحصي حوالي 30 مؤسسة سويسرية ممثلة في الجزائر، وقد ساهم إبرام الاتفاق الثنائي حول حماية الاستثمار وعدم الازدواج الضريبي، منها الضريبة على الدخل والثروة، في تحسين الإطار القانوني للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، لاسيما مع توقيع الجزائروسويسرا في جوان 2012 بجنيف اتفاقا ثنائيا في مسار انضمام الجزائر للمنظمة العالمية للتجارة، كيف تقيمون العلاقات الثنائية وهل بلغت المستوى المرجو؟ وما هي طبيعة العراقيل التي يواجهها المستثمرون السويسريون والمسائل التي تشكل مصدر قلق للمؤسسات العاملة في السوق الجزائري؟ بالتأكيد مبادلاتنا التجارية ليست في المستوى المأمول وهي بعيدة عن تطلعاتنا، خاصة أن إمكانات تطويرها متاحة وهي معتبرة في نظرنا، فالاقتصاد السويسري يتسم بالفعالية والنشاط والحيوية، ويمتلك مؤسسات فعالة في مختلف القطاعات، ومنتجاتنا ذات نوعية رفيعة، يضاف إليها قرب البلدين من بعضهما البعض. من جانبنا، نسجل تقدما للجزائر وتكثيفا لنسيجها الإنتاجي الصناعي، وتبدي الشركات السويسرية إرادة ورغبة في الاستثمار في الجزائر، وقد شاركت يوم السبت (أي أمس) في مراسم تدشين الخط الجديد للإنتاج التابع لمجموعة ”نيسلي” هنا في الجزائر، وهذا في حد ذاته مؤشر وعلامة واضحة على هذه الإرادة التي تحدونا للمساهمة في تطوير وتنمية الإنتاج في الجزائر، صحيح أن الأمر ليس سهلا في كل الأوقات، لاسيما بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تواجه منافسة حادة وشرسة، ونحن نعرف جيدا قدرات الشركات السويسرية الكبيرة. لكن كما تعلمون، فإن نسبة 99 في المائة من المؤسسات السويسرية هي في الواقع مؤسسات صغيرة ومتوسطة، بتعداد عمالها لا يتجاوز 250 عامل. وبالنسبة لهذه المؤسسات، فان فهم وإدراك واستيعاب تعقيدات الإطار الاقتصادي لبلد أجنبي كبير مثل الجزائر يشكل تحديا كبيرا وهو ما يترتب عليه مخاطر أكبر وأهم. وعليه، فإن الضرورة تقتضي أن يتم تسهيل فهمها لسير الإطار القانوني والتنظيمي والإجراءات الإدارية الخ.. أعتقد أنه سيكون هنالك مهمة اقتصادية سويسرية في الجزائر، وهو ما سيمثل فرصة سانحة لتنمية وتطوير فرص المبادلات والاستثمارات. من بين القضايا التي شكلت مصدر قلق للجانب السويسري مسألة اتفاق التبادل الحر بين الجمعية الأوروبية للتبادل الحر والجزائر الذي يبقى عالقا منذ 2009، ما الذي يمكن أن يضيفه الاتفاق في حال التوقيع عليه وما هي أسباب الانسداد؟ التوقيع على اتفاق التبادل الحر مهم جدا بالنسبة لسويسرا وبالنسبة للمؤسسات السويسرية أيضا، لأن ذلك سيتيح عدم تواجد شروط مبادلات أقل أفضلية من نظيرتها الأوروبية على سبيل المثال، وكلي أمل الآن أن يتم استئناف المفاوضات سريعا أو في أقرب وقت. نفكر في إيجاد بدائل أو حلول عملية فيما يتعلق بحل يدعم التعاون والشراكة بين بلدينا بشكل آخر، وتحديد بصورة أدق مجالات التعاون. وما لمسته أيضا هو وجود إرادة من الجانبين لدعم العلاقات سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية ومعرفة سويسرا وفهم الجزائر وسلطتها وشعبها، لأن هنالك شعبا وبلدا يدفع إلى العودة إليه وزيارته، لما يزخر به من غنى وثروات وتنوع. وقد أدركت هذه الرسالة التي سأقدمها إلى المسؤولين في بلادي. يمثل مشكل التهرب الجبائي والضريبي وتهريب الأموال مصدر قلق بالغ للعديد من البلدان، ما هو موقف سويسرا إزاء هذه القضية، علما أنه تمت دعوة البنوك السويسرية للعمل على رفع السر البنكي ومحاربة الفردوسات الجبائية أو الملاذات الجبائية؟ وإلى أي حد تقوم الهيئات السويسرية من برلمان وحكومة بالاطلاع ومتابعة قضايا التهرب الجبائي وتهريب الأموال التي يقوم بها رعايا أجانب منهم جزائريون؟ وهل هنالك تعاون في هذا المجال بين السلطات الجزائرية ونظيرتها السويسرية؟ تعتبر سويسرا ساحة مالية هامة، هذا الأمر معلوم، وتساهم البنوك والتأمينات في سويسرا بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي الخام وبنسبة 6 في المائة من اليد العاملة، وهذا كثير جدا، وهذا يعني بالمقابل أن نسبة 90 في المائة من الناتج المحلي الخام يتم توفيره بفضل نشاطات أخرى وأن نسبة 94 في المائة من اليد العاملة تنشط في قطاعات مغايرة. وعليه، ولاختصار الأمر، يتم التأكيد على أنه لا يمكن اختزال سويسرا في البنوك فحسب ولا في إنتاج الشوكولاطة أيضا. وللإجابة على سؤالكم، يمكن القول إن تطور النظام المالي الدولي كان كبيرا وسريعا ومكثفا خلال السنوات الأخيرة، وتشارك سويسرا في ذلك بصورة فعالة، لأنها ترغب في أن تبقى دوما ساحة اقتصادية كبيرة وبخاصة ساحة مالية نزيهة ونظيفة، فالنزاهة هي أيضا عامل تنافسية. وفي المجال الجبائي، تشارك سويسرا في أشغال منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي صادقت على المقياس أو المعيار الدولي للتبادل الآلي للمعلومات في المجال الجبائي، تنضم إليه 93 دولة منها 58 دولة بداية من 2017 و35 منها سويسرا في غضون 2018، فضلا عن ذلك انضمت سويسرا إلى الاتفاقية بين منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومجلس أوروبا، تتعلق بالمساعدة الإدارية المتبادلة في المجال الجبائي. وبعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، فإن هذا التعاون الإداري متوفر حسب الطلب بالنسبة للدول الموقعة، بما في ذلك الجزائر بعدما تصادق على الاتفاق، بناء على مقاييس منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وحاليا، ومن بين حوالي مائة دولة موقّعة مع سويسرا على اتفاقية منع الازدواج الضريبي، فإن حوالي نصف عدد هذه البلدان أدرج بندا حول تبادل المعلومات الخاصة بالجانب الضريبي والجبائي، ومن الأهمية بما كان التأكيد أن النظام المالي الدولي لا يمكنه أن يعمل بصورة طبيعية وسليمة وشفافة إلا إذا شاركت فيه كل الساحات المالية، وبشرط اعتماد نفس المقاييس والمعايير والشروط على الجميع، وبين الجزائروسويسرا اتفاق منع الازدواج الضريبي وهو اتفاق ”كلاسيكي” إذا صح القول. كانت سويسرا بلد اللجوء للعديد من الجزائريين خلال الثورة وخلال سنوات الإرهاب، كيف تتصور هذه المسألة، خاصة منذ توقيع البلدين العام 2006 على اتفاقية حول تنقل الأشخاص التي تتصل على وجه الخصوص بإعادة الإدماج والترحيل ومحاربة الهجرة غير الشرعية، كيف تقيمون ذلك؟ لقد كانت سويسرا في تاريخها ومازالت الأرض التي ترحب بالمواطنين حول العالم وتأويهم، فمن مجموع 8 ملايين نسمة، يمثل الأجانب 1.9 مليون، وأغلبيتهم يعيشون منذ أكثر من 10 سنوات أو أنهم ولدوا في سويسرا. ومن بين الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين هنالك اتفاق حول تنقل الأشخاص، كما قمنا أيضا بإرساء حوار حول الهجرة الذي يسمح لنا بمعالجة دوريا وبصورة منتظمة تنفيذ الاتفاق وهو يعرف تطورا إيجابيا، وتظل الإشكالية حساسة بالنسبة للبلدين، ويبقى البلدان معنيين بهذه الإشكالية. وعليه، من المهم التفكير معا في تحديات الهجرة في إفريقيا وانطلاقا من إفريقيا. أصبحت ظاهرة الإرهاب تعرف اتساعا وتمس العديد من الدول، كيف تنظر سويسرا إلى هذه الظاهرة، وهل هنالك تعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات؟ إنني أستغل هذه الفرصة لكي أدين بشدة الأعمال الإرهابية، فمنذ سنوات انخرطت سويسرا في حرب صعبة لكنها ضرورية في إطار منظمة الأممالمتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمجلس الأوروبي، فضلا عن كون سويسرا عضوا في المنتدى العالمي لمحاربة الإرهاب، كما أود التأكيد على أن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تحل كل شيء وأن حقوق الإنسان يجب أن تحترم في هذا المقام ولا يجب أن تنتهك. التصويت بنعم بصورة واسعة على استفتاء منع المآذن في سويسرا اعتبر كرسالة واضحة لتوجه مناوئ للجاليات الإسلامية، ولايزال النقاش قائما، هل حاولت السلطات السويسرية إدراك خلفيات هذا التصويت وإبعاد أي شكل من أشكال الالتباس والغموض إزاء الجاليات الإسلامية؟ بطبيعة الحال وفي أعقاب القبول بالمبادرة الشعبية ”ضد بناء المآذن” بتاريخ 29 نوفمبر 2009، قامت الحكومة السويسرية بتوسيع دائرة الحوار، لاسيما من خلال تشكيل مجموعات عمل من قبل مسلمين وممثلين عن السلطات العمومية، وتجدر الإشارة إلى أنه تم القيام بالعديد من المبادرات على مستوى المقاطعات والبلديات والخواص، بهدف تعميق الحوار بين الأديان ولكن أيضا مناقشة القضايا السياسية والقضايا المتعلقة بالمجتمع المدني. كما أعدّ المجلس الفدرالي، أي الحكومة السويسرية، تقريرا خاصا حول وضعية الجالية المسلمة في سويسرا، وتم الكشف عن التقرير الذي حمل عنوان ”حوار مع السكان المسلمين 2010”، بتاريخ ديسمبر 2011. إلى أي مدى تسعى سويسرا إلى المساهمة في المساعي والجهود الرامية على المستوى الدولي إلى إيجاد حل سياسي للنزاع في الصحراء الغربية والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني؟ وما هو موقف سويسرا من الوضع السائد في ليبيا ومالي وسوريا والعراق؟ سؤالكم متشعب وواسع، وعليه فإنني سأجيب عليه بصورة عامة. سويسرا بلد صغير، ويرتكز على عدد من المبادئ من بينها دعم القانون الدولي الذي ينشئ القواعد المماثلة للجميع سواء أكانوا كبارا أم صغارا. وبناء على ذلك، نلتزم كثيرا بالعمل على أن تساهم منظمة الأممالمتحدة في تحقيق السلم والأمن العالميين. ومبدئيا، نعتبر أن النزاعات سواء أكانت قديمة أو حديثة يجب أن تسوى بالتفاوض والحوار. وسويسرا كدولة محايدة، تظل من أكثر البلدان تشبثا ونضالا من أجل السلم، وهي تحتضن بذلك العديد من جولات الحوار، كما أن بلدي معني بدرجة كبيرة بالوقاية من النزاعات ويقترح مساعيه الحميدة في الكثير من المحافل الدولية. أما بخصوص النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنه أتيحت لي الفرصة مؤخرا للتباحث مع رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس الذي قام بزيارة رسمية إلى سويسرا. أشير بخصوص ملف الصحراء الغربية أنه تشكلت في بلادي عدة جمعيات لدعم الشعب الصحراوي. وللتدقيق أكثر، أعلمكم أنه في منطقتي هنالك جمعية تساند المسار وجمع للمال لفائدة الشعب الصحراوي. أما بخصوص الحوار الليبي، فإنني قلت للمسؤولين الجزائريين، من بينهم الوزير الأول، إنني أرى الكثير من نقاط الاشتراك بين الجزائروسويسرا، حيث أننا نحبذ الوساطة، لأن ثقافة بلادي هي الحياد الفعال والإيجابي وتقديم الدعم لإيجاد حلول سلمية في الدول التي تعاني من مشاكل. وقد وجدت نفس هذه الإرادة في الجزائر، لأن الجزائر تلعب دورا إيجابيا وفعالا للوساطة في الدول المجاورة مثل ليبيا ومالي. وللتأكيد على أقوالي، فإن أحد زملائي في الغرفة التي أترأسها يقوم بلقاءات دورية مع مسؤولين جزائريين، تأكيدا للدور الذي تلعبه الجزائر في الوساطة بالمنطقة، وأحيي هنا الدور الذي تلعبه الجزائر لإيجاد حلول وأجوبة للمشاكل التي تواجه عددا من دول المنطقة المجاورة للجزائر. ولاتزال سويسرا تواصل العمل على توفير الظروف المناسبة لإيجاد حل للدولتين، من خلال حل تفاوضي مطابق للقانون الدولي، لاسيما حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، كما نلتقي أيضا مع الجزائر في مواقفها إزاء مالي وليبيا، حيث تبذل الجزائر جهودا معتبرة ونحن نحيي هذه الجهود إلى جانب الجهود التي تبذلها دول أخرى، ومستعدون لتقديم الدعم والعون لأن هذه التحديات هي في الواقع تحديات مشتركة بيننا.