حقيبتان، جواز سفر، مغامرة، شغف والكثير من الحب، هو زاد سفر محمد وأمينة.. زوجان جزائريان جمعهما شغف المغامرة فأطلقا العنان لأحلامهما وراء الحدود لعيش تجربة العالم الحقيقي بنفسهما، بعيدا عن الأحكام المسبقة والصور التي تنقلها وسائل الإعلام، سفر لاكتشاف الذات، الآخر، وعظمة الخالق، لكن ليس في فنادق 5 نجوم ولا عبر صور سلفي أمام فطور ملكي.. فقد اختارا أن يكونا جزائريين في البرية. الجلوس إلى محمد وأمينة، الشابين المفعمين بالطموح والتفاؤل والكثير من الحماس، هو رحلة في حد ذاتها، فيكفي أن تغمض عينيك، وتستمع إليهما للوصول إلى أبعد نقطة في مرتفعات ماتشو بيشو في البيرو حيث حضارة الأنكا، وأن تعيش مغامرة السباحة في "مسبح الشيطان" بشلالات فيكتوريا بين زامبيا وزيمبابوي، أو تتأمل شروق الشمس من بتراء الأردن أو جزر المالديف.. هذا ما شعرت به وأنا أستمع إلى تجربتهما مع السفر التي أغرتني أكثر من قراءة رواية "طعام صلاة حب" للكاتبة الأمريكية إليزابيث جيلبرت، بل أكثر من الفيلم المقتبس من الرواية ذاتها التي أبدعت فيها النجمة الأمريكية جوليا روبرتس. تجربة الزوجين التي اكتشفتها عبر صفحتهما في فايسبوك كان لا بد من التوقف عندها، فالصفحة تثير الفضول بالصور الخلابة التي يوثقان عبرها رحلاتهما التي لا تبدو أبدا أن عدسة مصور هاو من التقطها، وهذا المصور ليس إلا الزوج محمد، ويرفقانها غالبا بتعليق تخطه الزوجة أمينة، ويدرجان عبر الصفحة نصائح لمتابعيهما من أجل سفر بأقل التكاليف، مستلهمة من تجربتهما الشخصية، فحكمتهما أنك لا يجب أن تكون غنيا لتسافر، فقط تقشف في بلادك.. "نحن لسنا أبناء شخصيات نافذة مثلما يظن بعض من يتابعوننا، نحن جزائريان من عامة الشعب، تعلمنا فقط كيف ومتى نسافر"، يقول الزوجان.
حلم وقصص ألف ليلة وليلة
تقول أمينة في حديثها معنا إنها خاضت السفر خارج الحدود مع محمد منفردين منذ زواجهما، غير أنهما خبرا من قبل السفرَ في كل نقطة من الجزائر في طفولتهما. وما غذى رغبتَها أكثر في السفر إلى آفاق أرحب ما كان يروي لها والدها عن كل بلد زاره في إطار عمله وهي طفلة، "كنت أنتظر عودته بشغف ليروي لي ما شاهده، كنت أغمض عينيَّ وأسبح بخيالي بعيدا وأرسم معالم أمكنة تمنيت زيارتها.. كبرت وكبرت أحلامي التي قاسمني إياها محمد". وكانت بداية "المغامرة" من شهر العسل سنة 2011 الذي اختاره أن يكون في تركيا، لكن بعيدا عن المحطات التي يتوقف بها أغلب السياح العرب، وهي منطقة أولودونيز ببحيرتها الزرقاء وشواطئها الخلابة، "حتى أن عامل الفندق سألنا أن نكتب له بالعربية ليرى الخط العربي، فلم يسبق أن التقى بعربي هناك". وبخلاف أسفارهما السابقة مع العائلة، اختار الزوجان أن يسافرا دون برنامج أو خطة تقيدهما، ويتركا الحرية لحدسهما وشغفهما يقودهما إلى أماكن ربما كان سيمنعهما البرنامج من التوقف عندها.. فالسفر بالنسبة للزوجين ليس الجلوس في الفندق واتباع برنامج وكالات الأسفار دائما، فالمغامرة جزء من السفر، يعلق محمد "وبالنسبة لنا يجب أن نستمتع بكل لحظة في سفرنا ولا نرتاح إلا عند العودة إلى الديار". ولا يقضي الزوجان كل أيام السنة في السفر مثل ما يظنه بعض من يتابع صفحتهما، فلديهما عملهما الخاص، بل هما يتصيدان العطل الدينية والوطنية، خاصة تلك التي تأتي متصلة بعطلة نهاية الأسبوع، يقول محمد "وهكذا نبرمج رحلاتنا القصيرة التي لا تدوم أكثر من 3 إلى 4 أيام، مثل رحلتنا الأخيرة إلى الأردن. أما الرحلات الطويلة والأسفار البعيدة فنتركها في العطلة السنوية صيفا، إلا أن نشر الصور تباعا يعطي الانطباع بأننا مسافران طيلة أيام السنة".
اختلِطوا بالآخرين.. غامِروا ويعتبر الزوجان أن أجمل ما عاشاه في أسفارهما هو الاختلاط بشعوب كل البلدان التي وطئتها أقدامهما، الحديث إليهم، الابتسام في وجههم، وليس العيش في ثوب السائح الذي لا يترك مسارا يرسمه له المرشد، "في الأردن سألنا شخصا عن عنوان فوجدنا أنفسنا في بيته وبين أطفاله، تحدثت إلى حلاقة فتطوعت لتجوب معي العاصمة عمان.. وحدهم أهل البلد من يساعدونك لاكتشاف حقيقته"، تقول أمينة. وبحديثهما عن المغامرة، استحضر الزوجان سفرهما إلى بوليفيا في أمريكا اللاتينية للقيام برحلة في البرية، تقول أمينة "حجزنا عبر الإنترنت لرحلة تدوم 4 أيام عبر سيارة جيب، بمرافقة 4 أفراد من جنسيات مختلفة في رحلة بصحراء بوليفيا بلد الأنديز، يكون المبيت فيها في مراقد في كل محطة تصل إليها السيارة، ومن حسن حظنا أن رافقنا في الرحلة عائلة من بوليفيا تقاسمنا معها المبيت والأكل والشرب والمغامرة. وأثناء هذه الرحلة أيقنت أن للعيون لغة، فالأم التي رافقتني رفقة أطفالها كانت لي أمّا حقا، لم أكن أتكلم لغتها ولم تكن تتكلم لغتي، لكننا كنا نتفاهم، نتكلم ونضحك.. هي لغة العيون والقلب".
من تجارب الرحالة..قاب قوسين أو أدنى من الموت تجربة الاقتراب من الموت، عاشها الزوجان أمينة ومحمد في رحلتهما إلى بوليفيا المعروفة بأجوائها المناخية الصعبة، بسبب ارتفاعها عن سطح الأرض، وهناك عانت أمينة ومحمد بدرجة أقل من صعوبة كبيرة في التنفس، كادت تودي بحياتهما، زيادة على البرد القارص، حيث وصلت درجة الحرارة إلى 30 تحت الصفر في عز الصيف، تقول أمينة "نطقت بالشهادتين وأنا موقنة أنني سأفارق الحياة، لكن ماما، كما أسميها اليوم، تلك السيدة البوليفية التي لم تكن تفقه لغتي سهرت إلى جانبي طيلة الليل وأشربتني مشروب أعشاب خاص لمقاومة أعراض ضيق التنفس في المرتفعات، إلى أن استرجعت عافيتي".
في مسبح الشيطان من أكثر التجارب خطورة التي عاشها الزوجان السباحة في ما يعرف بمسبح الشيطان على حافة شلالات فيكتوريا في الحدود بين زامبيا وزيمبابوي، "هذا المكان سبق أن شهد وفاة مرشد سياحي حاول إنقاذ سائح جرفه التيار وقوة تدفق المياه.. كانت مجازفة منا، لا أنكر أن قلبي كان يخفق بقوة والخوف تملكني، لا يمكن عيش التجربة دون الوصول إلى هناك"، تقول أمينة.
تريدون التوفير؟ عليكم بآسيا نجح محمد وأمينة من خلال صفحتهما على فايسبوك في نقل شغف السفر إلى غيرهما، وإلهام الآخرين لتغيير روتين حياتهم عبر نصائحهما. ومن خلال تجربتهما، وجها نصيحة للراغبين في تجريب السفر "الحقيقي" وبأقل التكاليف، واقترحا لذلك البلدان الآسيوية، إذ يمكن زيارة أكثر من بلد عبر الخطوط الجوية الآسيوية المعروف أنها منخفضة التكلفة، زيادة على أن المسافر لن يحتاج إلى اقتناء الأكل بأسعار غالية، فقد لا يعجبه ويمكنه الاكتفاء بما يأخذه معه في حقيبته من معلبات.
إفريقيا التي رأينا زار الزوجان العديد من الدول الأوروبية، أو بالأحرى مدنا في دول أوروبية، على حد تعبير أمينة "فزيارة روما لا تعني زيارة إيطاليا مثلا.. ورغم جمال ما شاهدناه هناك، إلا أن ذلك لا يعادل ما خبرناه في الدول النامية التي يسقطها الكثيرون من خططهم للسفر، وخاصة الجزائريين"، مذكرة بحادثة عاشتها عندما ذهبت هي وزوجها لاقتناء تذاكر السفر إلى زيمبابوي، وراحت إحدى السيدات المتواجدات بالوكالة السياحية تضحك بصوت عالٍ، معتبرة أن الزوجين مجنونان لاختيار هذه الوجهة. تواصل أمينة "بالنسبة إلينا ما عشناه في بلدان إفريقية أو بأمريكا اللاتينية وآسيا ثري لأبعد الحدود، فهناك وجدنا حرارة الإنسان. كما أن البلدان الإفريقية التي يراها البعض أقل شأنا منا وجدنا فيها فنادق ومطارات لم نرها في أوروبا، وبنى تحتية نحن بعيدون عنها".
فلسطين دائما.. فلسطين أبدا رافقت القضية الفلسطينية أمينة ومحمد في كل أسفارهما، من خلال الراية الفلسطينية التي يحملانها جنبا إلى جنب مع الراية الجزائرية، وقد مرا بتجربة مؤثرة في بوليفيا عند بلوغهما مكانا يقوم كل من وصل إليه بتعليق راية بلاده، ووجدا هناك علم الكيان الصهيوني، وتزامن ذلك مع العدوان على غزة، فقاما بإزالته وتعليق الراية الفلسطينية مكانه، وسط تصفيقات المتواجدين في المكان، ورافقهما علم الكيان الصهيوني إلى البيرو بنية التخلص منه لاحقا في الجزائر، غير أن القدر خطط لشيء آخر، فقد تزامن وجودهما في ساحة المدينة مظاهرة ضد إسرائيل، فشاركا في المسيرة ووجدا المكان المناسب لإحراقه.
معاناة وغصة في القلب استصدار التأشيرة لبعض الدول مهمة صعبة قد تدوم أشهرا. جواز السفر تنتهي صفحاته بسرعة تحرمنا من الاحتفاظ به للذكرى. مؤسف أن الكثيرين لا يعرفون الجزائر إلا من خلال محرز وزيدان. تعلمنا أن لا نطلق الأحكام المسبقة. البساطة، لا تعطوا الأمور أكثر من حجمها، فليس كل أمر يستحق الوقوف عنده. الصداقة واكتشاف الآخر. التلقائية. الابتسامة والكلمة الطيبة تفتح الأبواب المغلقة. المشاركة، فليس هناك أجمل من تقاسم المهام بين الزوجين وهما يحضران حقيبة السفر وإجراءات الحجز. لا تصدق كل ما تنقله وسائل الإعلام عن بعض البلدان والشعوب. زرنا نحو 40 بلدا حسابيا، لكن بالنسبة لي، تقول أمينة، لم أزر إلا بلجيكا، فزيارة مدينة في بلد لا تعني أنني زرته. الحياة ليست فقط نوما وعملا وبيتا. الأهم، عندما نسافر نقترب أكثر من الله. ماذا تحمل حقيبة الرحالة؟ يسافر محمد وأمينة بحقيبتين، واحدة تحمل ألبستهما والثانية تحمل أكلا على شكل معلبات من أجل التوفير، حلويات جزائرية لتقديمها هدية، والراية الجزائريةوالفلسطينية، وعند العودة يجلبان راية صغيرة للبلد الذي يعودان منه لإلصاقها في حقيبة الظهر، وتراب البلد للاحتفاظ به في قارورة صغيرة للذكرى وكديكور، "تكتشفين وأنت تتأملينها عظمة الخالق، فتدرجات الألوان مبهرة في اختلافها"، يقول محمد. يخططان لزيارة أمينة: "إثيوبيا في مفكرتي، أجد فيها روحانية وطبيعة مجهولة أرغب في اكتشافها، وكذلك جزيرة سوقطرة في اليمن، لكن من يدري الخطط تتغير"، تقول أمينة مبتسمة. محمد: "اليابان، أعتقد أنها عالم مختلف عن كل ما رأينا". أجمل ما شاهدنا من صحراء بوليفيا إلى الإكوادور وماتشاو بيتشو البيرو، وبالي إندونيسيا وتايلاند وتركيا وأوروبا، إلى الأردن ومصر وأمريكا بطريقها 66 الشهير الذي يمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ من شيكاغو إلى سانتا مونيكا، إلى كمبوديا، وزمبابوي وزامبيا والقائمة طويلة، لكن إلى اليوم مكان واحد يعتبره الزوجان أجمل ما شاهداه في حياتهما، هي صحراء تمنراست، حتى نبرة صوت أمينة تغيرت وهي تتحدث عنها "النوم تحت غطاء من النجوم في تمنراست أجمل وأبدع ما رأيت".
نصائح لسفر بأقل التكاليف اختر دائما الرحلة التي تحتوي على "ترانزيت"، سعرها أرخص ويكون بوسعك رؤية بلد آخر دون مقابل. لا تتردد في النوم بالمطار إذا وصلت الطائرة متأخرة ليلا، وهكذا توفر ثمن ليلة في الفندق، وكذلك إذا كان موعد مغادرتك الفندق في الصباح الباكر، حضر حقيبتك، غادر الفندق في الليل ونم في المطار. لا تحجز أي شيء مسبقا غير تذاكر السفر لا الفندق ولا الرحلات، عندما تصل ستكون لك فرصة مقارنة الأسعار. لا تتردد في طلب تخفيض الأسعار، جرب ذلك فلن تخسر شيئا، خاصة ثمن ليلة الفندق والرحلات وشراء تذاكر. لا تأخذ "التاكسي".. استخدم المواصلات العمومية، الترام، المترو وإن اضطررت الcovoiturage أو auto-stop. خذ معك بعضا من الأكل كعلب التونة وغيرها من المعلبات وبذلك توفر القليل من مصروف الأكل. لا تحجز دائما في فندق، جرب المراقد والمخيمات والفنادق الصغيرة، ستتعرف على الكثير من الأجانب وستوفر الكثير من النقود. - استخدم هذه المواقع فهي توفر لك فرصة المبيت المجاني مقابل العمل HelpX.net وWWOOF.org - إذا أعجبك فندق وكان سعره غاليا، لا تحجز فيه بل اذهب وخذ قهوة الصباح فيه وبذلك تكون قد زرته دون مقابل. - إذا استأجرت سيارة خاصة في أوروبا فمن المستحسن أن تكون مازوت لأن سعر البنزين باهظ، ولا تتردد في استئجار دراجة نارية خاصة في آسيا. - استخدم هذه المواقع في حجز الفنادق وتذاكر الطيران booking Airbnb heremaps, skyscanner - لا تشتر أي شي لأي أحد، أنت ذاهب لترى العالم وليس للتجول في المحلات. - في معظم بلدان أوروبا يوجد ما يسمى free tour وهو عبارة عن جولة مع مرشد عبر مختلف الأماكن السياحية مقابل ثمن زهيد. - اشترك في كل البرامج الخاصة بشركات الطيران وغيرها وتابع جميع العروض التسويقية على صفحاتها في الإنترنت. - اشتر تذاكر السفر قبل الوقت بكثير، وإن رأيت سعر تذكرة من جهاز عبر النت لا تحجز من نفس الجهاز، ومن المستحسن أن يتم الشراء بين الواحدة والرابعة صباحا لتوفير نقود الخدمة عبر الإنترنت.