خرج الوزير المستشار الناطق باسم رئاسة الجمهورية، محمد السعيد، منذ يومين، عن الصمت الذي ظل يغلّف موقف الرئيس عبد المجيد تبون من جبهة التحرير الوطني، مفجرا قنبلة في وجه قيادته الجديدة رافضا معها قرار "الولاء" غير المشروط. من الوهلة الأولى، لم يكن الأمين العام الجديد للأفالان، أبو الفضل بعجي، يتوقع ردا رئاسيا سريعا على مبايعته لتبون ولوزيره الأول عبد العزيز جراد، كونه تناسى أن الحزب كجهاز أو مؤسسة دستورية لم تكن في صف الرئيس في رئاسيات 2019، بل في صف خصمه الأمين العام بالنيابة للأرندي السابق عز الدين ميهوبي. وظهر جليا تجاهل تبون للأفالان بقيادته المؤقتة السابقة بعد انتخابه لرئاسة الجمهورية، من خلال استبعادها من مشاوراته حول الإصلاحات الدستورية والسياسية التي يعتزم تجسيدها في إطار التزاماته ال52، وهو ما جعل بعض إطارات الحزب يتسارعون من أجل إقناع الأمين العام السابق بالنيابة، علي صديقي، بالرحيل من أجل إعادة ربط حبل الوداد مع تبون من جديد.. لكن ظهر أن هؤلاء "المتفائلين" لم يضعوا في الحسبان تغيّر المعطيات السياسية وأيضا شعبيا، وهو الأهم، بعد أن قال أغلبية الشعب الجزائري الذين خرجوا في كامل مناطق البلاد يطالبون برحيل الحزب الذي حكم به الرؤساء السابقون على مدى 58 عاما، من دون أن يحقق أهداف الثورة في الاستقلال وتحرير البلاد من الاستبداد بعد أحداث 5 أكتوبر 1988. لقد راهن هؤلاء على "النسيان"، لكن تأكيد محمد السعيد أن الرئيس قطع "الحبل السري" مع الأفالان يرهن استمراريته في المشهد السياسي، خاصة أن البلاد تستعد لدخول مواعيد انتخابية حاسمة بعد استفتاء تعديل الدستور المرتقب قبل مطلع الخريف القادم. وأمام هذه الوضعية المحرجة، ستجد قواعد الحزب العتيد أمام خيار صعب، خاصة أنه لا يزال ينطوي على كوادر لم تتلوث بالفساد الذي طغى في البلاد على أيدي قياداتهم من الرئاسة إلى البلدية، مرورا بإدارة ما تزال "تمعن" في إذلال المواطنين عبر ممارساتهم الموروثة عن الاستعمار والمتنكرة لحقهم في خدمة عمومية تحفظ الكرامة. خيار صعب آخر أمام قواعد وإطارات الأفالان "الأنقياء"، يكمن في كيفية إقناع الرأي العام بضرورة "الصفح" وعدم تحميلهم، خاصة إذا كانوا من الجيل الجديد، أعباء وأوزار السابقين الذين يقعدون اليوم في قصورهم وما ملكت أيمانهم من ممتلكات أخذوها باسم الولاء للدولة والحزب والسلطة على مر العقود الماضية، خاصة أن قيادات من الصف الأول في التنظيم الحزبي وفي أجهزة الدولة والحكومة والقطاع الاقتصادي يقبعون في السجون بتهم الفساد والاختلاس وظلم الشعب بقراراتهم التي حوّلت البلاد من جنة إلى جهنم، تفر منها الأجنة في بطون أمهاتهم بقوافل "الحرڤة" المتواصلة. وأمام السلطة الحالية خيار صعب أيضا، وهو من يجرؤ على اتخاذ قرار الموت الرحيم لحزب لطالما تسبب في "أزمات" للبلاد والعباد، باسم الثورة التي قادها رجال (الأحرار الستة) خلدوا التاريخ أسماءهم في جبهة التحرير التاريخية والجزائر المستقلة إلى غاية اليوم.. خاصة أن شروط المتاحف صارت صعبة التوفر مخافة عزوف الزائرين عن دخولها.