المآسي التي تعيشها بعض الشعوب خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط هي مأساة الإنسانية قبل كل شيء. لأن الإنسان هو المستهدف فيها بالرغم من أن كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية أعلت من شأنه وقدست روحه وضمنت حقوقه الطبيعية على وجه الخصوص وعلى رأسها الحق في الحياة. لكن الذي يحدث في أيامنا يظهر عكس ذلك، حيث يكثر القتل والتقاتل والتشجيع على القتل والإفتاء به والتحريض عليه بعبثية لم تشهد لها البشرية مثيلا. وها نحن نشهد القتل على الهوية، والقتل على الاعتقاد وعلى المذهب والعرق.. وما إليها من أسباب واهية وتبريرات ما أنزل الله بها من سلطان، حتى أضحى القتل شريعة القرن الواحد والعشرين بامتياز، وهو القرن الذي بشّر به الإنسان بأنه سيكون قرن التكامل، والتعايش والتسامح والحوار على الصعيد الديني والثقافي والحضاري، على اعتبار أن هذه القيم جاءت لترتقي بالإنسان من الحيوانية إلى الإنسانية. وما يؤسف له أن شريعة القتل هذه أصبحت ميزة يكاد يتفرد بها المجتمع العربي المسلم المنتظر منه أن يقدس الإنسان الذي كرّمه خالقه وحرّم قتله بدون حق، وحرّم التعرض لماله وعرضه، ويمتثل لقوله تعالى "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". هذا الإفلاس الإنساني والديني والأخلاقي يعود بدون شك إلى إفلاس النخب في هذه المجالات مجتمعة وهي المطالبة بإصلاح الفاسد من الأفكار، وتبيان ما خفي عن الناس من سبل قبول الآخر واحترام رأيه ومعتقده وقناعاته لأن من طبيعة البشر الاختلاف.