لكل معرض للفن التشكيلي، سر كبير دفنه صاحبه في لوحة ما، أو في إحدى المنحوتات، أو في مكان لا يمكن أن نخمن في طبيعته، قد نحاول اكتشافه وقد نحس بأننا أدركنا أخيرا كنهه، إلا أننا في الواقع، بعيدون جدا عن الحقيقة، ولكن عن أية حقيقة نتكلم؟ وهل توجد حقيقة واحدة؟ أمن الضروري معرفة هذا السر؟ أبمعاينة العمل الفني نكتشف الأسرار الخاصة بنا؟ بفضول كبير، نتساءل ما الذي يخفيه الفنان التشكيلي مالك صالح في معرضه الجديد "مجنون ليلى"، الذي من المنتظر تفتتحه عشية اليوم وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي، بالمتحف الوطني للفن الحديث والفن المعاصر بشارع العربي بن مهيدي بالجزائر العاصمة··· البحث عن هذا السر، ليس بالأمر السهل، وذلك أمام تعدد المعروضات من رسومات ولوحات تشكيلية وصور فوتوغرافية ومنحوتات، زينت المتحف وتبهر كل من يشاهدها· الفنان التشكيلي مالك صالح، قال ل "المساء" أنه أراد كغيره من الفنانين العالميين، ترجمة نص نثري أو شعري من الموروث العالمي الى فن تشكيلي مميز، ومن خلال بحثه المستمر، وقع اختياره على قصائد قيس بن الملوح عن حبيبته الغالية ليلى العامرية، فرسم المرأة والرجل والإنسان بصفة عامة وصراعه المستمر في هذا الكون الفسيح· وأضاف مالك قائلا "أحب النط بين الفنون، وأعشق المزج بينها، فأنا أرسم وأنحت وأصور وأمارس أنواعا أخرى من الفنون، أعبر بها عن فني، جنوني، هلوستي·· عن حبي للفن"· الصور الفوتوغرافية التي زينت المعرض، تحمل كلها وجوها نساء تملأها حروف مكتوبة بالخط العربي، وتحاول امرأة الصورة أن تعطي أجزاء من وجهها، أيعود ذلك الى الضوء المنبعث من آلة التصوير أم هو الحياء والخجل؟ في هذا السياق قال مالك: "لقد تحكمت في الهامي المتعلق بالمرأة، استعملت الجرأة بطريقة محتشمة لأن المرأة تحيط بها الكثير من الطابوهات"· تمثل المنحوتات المصنوعة في أغلبها من مادة الراتنج (مادة صمغية تفرزها شجرة الصنوبر)، سبعة وجوه لامرأة من النوع الكبير ومنحوتات أخرى من بينها أيضا ثلاثة تماثيل كبيرة في لحظات تأمل· ويوضح الفنان في هذا الصدد "وضعت سبع منحوتات في شكل وجه امرأة تحمل نفس التقاسيم ولكنها مقدمة بشكل مختلف جدا"· وعن استعماله للخط العربي في المنحوتات ولوحات الصور الفوتوغرافية، أكد الفنان عشقه للخط العربي·· معتبرا أن هذا الفن لم يأخذ حقه من الانتشار، أبعد من ذلك فقد استعمل - حسبه بطريقة سيئة· وماذا عن الرسومات واللوحات الفنية؟، إنها تمثل عالما فسيحا لا حدود له، حيث يتيه فيه الإنسان، هو عالم فلسفي مثّله مالك بأشكال هندسية تعبيرا عن القوانين والنظم التي يسير وفقها العالم، وفي وسط هذه اللوحات أو على الجانب، رسم مالك هيئة إنسان أو شبحا أسودا، ينعكس تيهانه وتوقه الى الحرية، التي لا يستطيع التمتع بها في عالم تحكمه قوانين مضبوطة، الحرية فيه مقيدة، بسلاسل لا مفاتيح لها· هو الإنسان في هيئة لا تفاصيل لها، وهي الحرية التي يحاول البعض رسم حدودها، بينما البعض الآخر يريدها مطلقة· وفي هذا المعرض ندرك موقع وأهمية الروح في الجسد بالنسبة لمالك، المنجذب نحو الصوفية، فهو يريدها حرة تغدو حيث تشاء، بينما الجسد محصور في مكان قد يسجن فيه الى الأبد· ويتساءل مالك صالح أين مكانة الإنسان في هذا العالم؟" أين هو بضعفه وهوانه من هذا الكون الفسيح؟ هو الإنسان المكافح لإثبات مكانته لتسلحه بالحرية، ولكنه أحيانا يختار الصمت، لكن ما نوع هذا الصمت؟ أهو ذاك الصمت الجبان الذي يدفع بصاحبه إلى الاستسلام للواقع؟ أم أنه الذي ارتدى رداء الصوفية وحاول فهم المعادلة الصعبة التي تربط بين الإنسان والعالم؟"مجنون ليلى" حيث يلتقى عدم كمال الإنسان بعدم كمال الفنان، وحيث اختار مالك صالح أن يرسم وينحت ويصور ويقول :" تمنيت أن لا أتوقف أبدا عن الإبداع، إن التوقف عن الإبداع لفعل مرهق، أصبو الى الإنتاج الفني بدون توقف، إنني مجنون، مجنون وجد ليلاه"·