عاشت أمس، مدينة وهران، أجواء غير مسبوقة خلال تشييع جنازة الفقيدة "نهال" في موكب جنائزي مهيب وراء السيارة التي كان على متنها نعش الطفلة "نهال" من منزلها العائلي بحي البدر إلى غاية مقبرة عين البيضاء، شارك فيه قرابة 10 آلاف مشيّع قطعوا مسافة 5 كيلومترات مشيا على الأقدام، مرددين بصوت واحد "الإعدام لقتلة الأطفال". كانت الساعة تشير إلى تمام الثامنة والنصف صباحا عندما بدأت وفود المواطنين القادمين من كل ربوع الوطن تتوافد على حي البدر، وبالضبط إلى منزل الفقيدة "نهال" التي وصل جثمانها ليلة أول أمس، في حدود الساعة العاشرة ليلا مرفوقا بمصالح الدرك الوطني والشرطة على متن سيارة إسعاف تابعة للمؤسسة الاستشفائية لولاية تيزي وزو، حيث كان في انتظار وصول جثمان الضحية مئات المواطنين ممن فضّلوا البقاء طيلة يوم السبت في انتظار وصول الجثمان بعد أن كانت العائلة قد قررت إجراء مراسم الدفن يوم السبت بعد صلاة العصر، غير أن تأخر تسليم الجثمان حال دون ذلك. وفور وصول الجثمان سارع سكان عدة أحياء لاستقبال العائلة ومواساتها في مصابها الجلل، فيما حاصرت جموع من المواطنين سيارة الإسعاف التي أدخلت لمرآب مسكن عائلة الضحية، تمكنّا من التقرّب من عم الضحية الذي رافق الجثمان من ولاية تيزي وزو، والذي أثنى على التضامن الكبير لسكان وهران وكل سكان الجزائر حسبما ذكره، موضحا بأنّهم ومنذ خروجهم من ولاية تيزي وزو، وجدوا تضامنا غير مسبوق من المواطنين والسلطات المحلية لكل ولاية عبروها، مضيفا بأنه لايزال يحمل صورة رجال الدرك وهم يرفعون التحيّة أمام سيارة الإسعاف عند كل ملتقى طرق أو حاجز للتفتيش، وهي الصورة التي أكد المتحدث بأنها لاتزال راسخة في ذهنه. وخلال تواجدنا بالمنزل العائلي، كشف رئيس جمعية "راديوز" الشافي قادة، باعتباره صديق العائلة بأنه تقرر إجراء مراسم الدفن على الساعة العاشر صباحا وذلك لكون مقبرة عين البيضاء تشهد يوميا عشرات عمليات الدفن للموتى وأمام هذه الجموع الكبيرة فإن تأخير عملية الدفن لصلاة الظهر لن يساعد على التحكّم في جموع، مضيفا بأن الطريق إلى منقطة عين البيضاء ضيّق لذلك تقرر إجراء الدفن على الساعة العاشرة صباحا تفاديا للزحمة. مشي على الأقدام من حي البدر إلى مقبرة عين البيضاء وبالعودة إلى جنازة أمس، فقد انطلق الموكب الجنازي على الساعة العاشرة و15 دقيقة وسط حضور مكثف للمواطنين القادمين من عدة مناطق، في وقت فضّلت فيه مصالح الأمن توقيف المرور عبر عدة محاور مجاورة لحي البدر بسبب الحشود الكبيرة للمواطنين والمركبات القادمة من عدة ولايات والتي تجاوز عددها حسب مصدر أمني 500 سيارة انطلقت عبر كامل حي البدر وإلى غاية حي أسامة. وقد تقرر بالتشاور مع عائلة الفقيدة نقل الجثمان بداخل سيارة إسعاف تابعة للحماية المدنية وسط تكبير وتهليل وشعارات تطالب بإعدام قتلة الأطفال، ومع خروج الجثمان اصطف أمامه مئات المواطنين من نساء ورجال وأطفال في مشهد تضامني لم يسبق وأن شهدته ولاية وهران في تعبير عن الوقوف كشخص واحد أمام هول الفاجعة وأمام ظاهرة قتل الأطفال. وقد تقرر خلال خروج الجثمان السير به مشيا على الأقدام من حي البدر إلى غاية مقبرة عين البيضاء، حيث خرج المشيّعون نحو طريق شارع وجدة باتجاه مفترق طرق حي الشولي مرورا بشارع حي لاقلاسيار، وصولا لمفترق طرق المستشفى العسكري ووصولا إلى مقبرة عين البيضاء. صوت واحد "الإعدام لقتلة الأطفال" ومع انطلاق الموكب الجنائزي سارع مئات المواطنين من عدة أحياء للالتحاق بالمسيرة الشعبية الضخمة التي كانت مؤطّرة من طرف مصالح الشرطة، حيث تم منع المرور عبر كامل الشوارع التي يمر عبرها المشيّعون وقد وصل عددهم حسب مصدر أمني إلى نحو 10 آلاف مواطن مرددين شعارات "الإعدام لقتلة الأطفال" و«القصاص القصاص" و«احموا أبناءنا".. وهي الشعارات التي ترددت كثيرا. وقد استمرت المسيرة لمدة 45 دقيقة كاملة قطع خلالها المواطنون قرابة 5 كلم مشيا على الأقدام، في وقت سارعت فيه مصالح الأمن الولائية بقيادة مدير الأمن الولائي إلى تنظيم الحركة والتوقف داخل مقبرة عين البيضاء، وذلك بمشاركة فرقة الصاعقة للدرك الوكني وفرقتي البحث والتحري "بي.أر.إي" وهو ما مكّن من دخول الحشود وسيارة الإسعاف التي كانت تحمل الجثمان إلى غاية المسجد، حيث تم تكليف إمام من مديرية الشؤون الدينية بالصلاة على الفقيدة وهو ما كشفه لنا مدير الشؤون الدينية الذي كان حاضرا ضمن الوفد الولائي ومباشرة بعد صلاة الجنازة تنقل الجميع نحو قبر الطفلة "نهال" والذي يقع بجوار جدتها، حيث دفنت الفقيدة وسط زغاريد النساء وتكبير المواطنين. وقد استغل الإمام الفرصة للحديث عن ظاهرة خطف وقتل الأطفال، داعيا إلى العمل على القضاء على هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا، كما دعا إلى الترحم على روح الفقيدة وأن يلهم ذويها جميل الصبر والسلوان. وقررت العائلة إقامة العزاء بالمنزل العائلي حيث يتم استقبال المواطنين، فيما نظم شباب الحي أنفسهم قصد المساعدة على استقبال المواطنين وتنظيم السير بالطرقات فيما قررت مصالح الشرطة مراقفة الشباب والعائلة في هذه المهمة من أجل تسهيل حركة المرور. ألف شرطي للتغطية الأمنية بالمقابل كشف مدير الأمن الولائي لوهران، مراقب الشرطة نواصري صالح، إلى أن مصالحه سخّرت 1000 شرطي لتنظيم الجنازة ومراقفة المسيرة الشعبية الحاشدة، منوّها بالتفهم الكبير الذي أبداه المواطنون، كما أشار نواصري إلى أن مصالح الشرطة ستبقى ساهرة على عائلة الفقيدة وسكان الحي إلى غاية الانتهاء من كل المراسم واستقبال المعزين، موضحا بأنه طلب من أعوان الشرطة والإطارات بحسن التعامل مع المعزين والعائلة خاصة أمام المصاب الجلل الذي ألم بهذه العائلة، مضيفا بأن مصالحه واقفة ليلا ونهارا على ضمان الأمن و السيولة المرورية. كما شهدت الجنازة تواجدا مكثفا لرجال الدرك الوطني الذين شاركوا في التنظيم بالمقبرة من خلال قوات الصاعقة التي كان أفرادها ضمن المنظمين داخل المقبرة، في مشهد أكد التضامن الكبير بين مختلف شرائح المجتمع الجزائري. عم الضحية: "كفانا ظلما للأطفال" عبّر عم الضحية "نهال" وهو يجهش بالبكاء عن شكره لجميع المواطنين الذين شاركوا عائلته أحزانها، موضحا بأن العائلة عاشت الجحيم منذ اختفاء الطفلة وقد دعا المتحدث السلطات إلى ضرورة العمل على معاقبة قتلة الطفلة "نهال" بأشد العقوبة وهي الإعدام ليكونوا عبرة لكل من تسوّل له نفسه قتل البراءة. إجماع على ضرورة إعادة النظر في حكم الإعدام وقد أجمع عدد كبير من المواطنين من الإطارات بسلك العدالة وسلك التعليم والجمعيات المحلية والفاعلين في مختلف المجالات الذين حضروا المراسم على ضرورة العمل على إعادة النظر في القوانين التي تمنع الإعدام، وقد أوضح أستاذ جامعي بأن قرار الإعدام كفيل بمنع هذه الظاهرة خاصة وأن دولة كأمريكا لا تزال تعمل بالإعدام في حق المتورطين في جرائم القتل. كما ذكر المتحدث بأنه ورغم توقيع الجزائر لاتفاقية دولية في هذا الإطار إلا أنه يمكن طلب تحفّظات بشأنها قصد تطبيق الإعدام في حق قتلة الأطفال خاصة وأن الظاهرة أخذت في التوسع بتسجيل ضحايا جدد كل مرة يضيف المتحدث .