ينتظر أن يعطي انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما دفعة جديدة للعلاقات الجزائريةالأمريكية التي شهدت انتعاشة جديدة خلال السنوات الأخيرة حيث اجتمعت معطيات متعددة عززت فرص توسيع التعاون الثنائي لا سيما في المجالين الأمني والاقتصادي، وينتظر من انتخاب الوافد الديمقراطي الجديد على البيت الأبيض إعطاء دفع جديد لعلاقات التعاون مع القارة الإفريقية التي تنتمي إليها الجزائر في ظل الحركية التي تشهدها المجموعة الإفريقية التي تنشد إضفاء شراكة نوعية على العلاقات الاقتصادية مع مختلف الشركاء. العلاقات الجزائريةالأمريكية ليست وليدة اليوم بل تمتد جذورها إلى قرون ماضية حيث تم التوقيع على أول معاهدة صداقة بين البلدين سنة 1795 في عهد الرئيس جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدةالأمريكية، وظلت العلاقات السياسية بين البلدين منذ ذلك الوقت جيدة وهو ما تجلى في المسار التاريخي الذي ميز هذه العلاقات حتى في عز النهج الاشتراكي الذي اختارته الجزائر كنظام سياسي لها بعد الاستقلال، والذي أملته عليها ظروف تاريخية مرتبطة بالواقع الاستعماري وموجة حركات التحرر التي اجتاحت دول العالم الثالث خلال القرن الماضي. ولا يزال الأمريكيون يشيدون بالأدوار الدبلوماسية التي قامت بها الجزائر من أجل تسوية الأزمات سلميا كما حدث مع الإفراج عن الرهائن الأمريكيين الذين احتجزوا في طهران عام 1979،حيث لعبت الجزائر دورا رائدا من أجل الإفراج عنهم في 20 جانفي 1981 بعد عملية وساطة قادتها، أنهت معاناة المحتجزين الأمريكيين طيلة 444 يوما . وإذا كان الظرف الاستعماري الذي مرت به الجزائر لم يسهم في إعطاء البعد الكافي لتعميق علاقات التعاون الثنائية خلال فترات الرئاسة للجمهوريين في عهد الرئيس رونالد ريغان والديمقراطيين في عهد بيل كلينتون، فإن التطورات الدولية الراهنة التي فرضها النظام الدولي الجديد بعد سقوط المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي) سابقا أرسى مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية لم تعد معها الجزائر في بمنأى عن هذه المتغيرات، ما دفعها إلى تبني رؤية جديدة تساير هذه التطورات من خلال تنويع علاقات التعاون مع مختلف الشركاء وفق مبدأ تكريس براغماتية التعاون تخدم المصالح المشتركة. فبعد أن انحصرت مستويات التعاون في المجال المحروقاتي خلال عقود طويلة، تغير الاتجاه إلى التعاون الأمني في عهد الجمهوريين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولاياتالمتحدةالأمريكية، التي أدركت حينها أن ظاهرة الإرهاب عابرة للحدود و تفرض التجند الدولي الكامل من أجل اجتثاثها. فقد أشار الكاتب والصحفي الأمريكي "بوب ودورد" المشهور بفضيحة واترغيت في كتابه "خطة الهجوم" إلى أن صانعي القرار الأمريكي وضعوا الجزائر من بين الدول ذات الأهمية الاستراتيجية في مكافحة الإرهاب بعد هذه الأحداث، وأكد هذا الرأي التصريحات الأمريكية الرسمية المختلفة المنصبة في هذا الاتجاه من بينها ما ذهب إليه الرئيس جورج ولكر بوش في الرسائل التي بعث بها إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، إذ يحرص فيها ويشيد بالتعاون القائم بين البلدين في مجالات متعددة مثل مكافحة الإرهاب والتكوين القضائي والإصلاحات الاقتصادية، وهي التصريحات التي رددها السفراء الأمريكيون بالجزائر بدءا من ريتشارد ريدمان إلى السفير الجديد ديفيد بيرس بالقول أن "الجزائر تعد من بين شركائنا الأوائل في مكافحة الإرهاب". وأهمية الجزائر الإستراتيجية والأمنية بالنسبة لواشنطن تكمن في المحاور المتعددة والمتقاطعة التي تقودها بلادنا على مستويات إقليمية متنوعة، وتعاملها مع الظاهرة بشكليها الأمني والسياسي، حيث انتقلت من مرحلة المأساة الوطنية إلى مرحلة السلم والمصالحة الوطنية إلى جانب احتضانها للمركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول ظاهرة الإرهاب، ما جعلها تكون محل تقارب أمني لفهم الظاهرة بالدراسات والتشاور المشترك، إلى جانب دورها المتميز داخل منظمة المؤتمر الإسلامي بفضل تجربة دبلوماسيتها الهادئة والمتوازنة، التي تمتد ما بين الوساطة في الحرب العراقية-الإيرانية في السبعينيات إلى الوساطة لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين بطهران مثلما ذكرنا سابقا، مرورا بالحل السلمي لقضية الطائرة الكويتية المختطفة التي حطت بمطار الجزائر في منتصف الثمانينيات، وكلها تجارب تأمل الكثير من القوى استغلالها في أزماتها الدولية، خصوصا مع الملف النووي الإيراني، الأزمة العراقية والقضية الفلسطينية التي أعلن عن قيام دولتها بالجزائر، كما يمكن أن يراهن صانعو القرار الأمريكيين على الجزائر للعب أدوار الوساطة بين القوى الإقليمية والدولية، فمتوسطيا تعد الجزائر شريكا استراتيجيا هاما مع الحلف الأطلسي، لامتداداتها البحرية على البحر المتوسط وكحلقة بين جنوب أوروبا وشمال إفريقيا وباعتبارها أيضا بوابة إستراتيجية نحو دول الساحل الأفريقي التي تهتم بها واشنطن في إطار مبادرة "البان-ساحل". وقد شهدت العلاقات الجزائرية-الأمريكية مطلع سنة 2006 ديناميكية سياسية ونشاطات دبلوماسية وأمنية مكثفة بين البلدين بداية بزيارة روبرت مولير رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي وشارل ف.وولد نائب قائد القوات الأمريكية في أوروبا، ودونالد رامسفيلد كاتب الدولة للدفاع، وقبلهم جميعا كانت زيارة وفد من الكونغرس بقيادة بيتر هويكسترا رئيس اللجنة الدائمة للاستعلامات، في جولة للتنسيق الأمني والاستخباراتي. ولا بد من التذكير في هذا الصدد بالزيارة التي قامت بها كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية السيدة كوندوليزا رايس شهر سبتمبر الماضي للجزائر في إطار جولة مغاربية التي رغم أنها جاءت في آخر أيام نهاية عهدة الرئيس الجمهوري جورج بوش، إلا أنها حملت رسائل تؤكد على الاهتمام الذي باتت توليه واشنطن للمنطقة المغاربية التي تنتمي إليها الجزائر. ويمكن القول أن المعطيات الجديدة التي فرضتها ظاهرة الارهاب جعلت الديمقراطيين والجمهوريين يلتقون عند نقطة العمل على التصدي لهذه الآفة ما دام الأمر يتعلق بحماية أرواح الامريكيين، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن تعاطي الديمقراطيين مع هذه المسألة سوف لن يختلف عن تعاطي الجمهوريين معها إن لم نقل أنها ستتعمق أكثر من خلال تكثيف تنسيق العمل الاستخباراتي وتبادل المعلومات، وهو ما ركز عليه المترشحان جون ماكين وباراك أوباما خلال الحملة الانتخابية. وأهمية العلاقات الإستراتيجية مع الجزائر أكدها السيد ديفيد بيرس السفير الجديد للولايات المتحدةبالجزائر الذي أشار مؤخرا إلى أن "استقرار الجزائر وازدهارها مهم جدا لاستقرار المنطقة بأكملها" مضيفا أن الولاياتالمتحدة تتعاون" مع الجزائر في محاربة الإرهاب والتطرف وكذا في ترسيخ ثقافة التسامح والاعتدال". معربا عن أمله في أن تكون العلاقات الثنائية بين البلدين بمثابة "شراكة ديمقراطية تخدم السلام والازدهار ولاستقرار العلاقات الثنائية" وتجدر الاشارة إلى أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين يبلغ 20 مليار دولار سنويا مما يجعل الجزائر الشريك الثاني للولايات المتحدةالأمريكية في العالم العربي.