إحتضنت المكتبة الوطنية، أمس، أشغال الندوة الدولية حول موضوع «المعالجة الإعلامية للتراث الثقافي الجزائري»، وذلك في إطار برنامج دعم وحماية وتثمين التراث الثقافي في الجزائر، تحت إشراف وزارة الثقافة بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي. وطرح اللقاء فكرة انخراط الإعلام الوطني في عملية النهوض بهذا الجانب المهم من الهوية الوطنية الذي تبنى عليه رهانات في مجالات شتى ابتداء من السياحة والاقتصاد. توقف وزير الثقافة عز الدين ميهوبي في كلمته الترحيبية عند أهمية التراث ومدى ارتباطه بالجانب السياحي، مشيرا إلى أنّ موقع ساحة الشهداء سيكون خير دليل على ذلك، مؤكّدا أنّ 2017 كانت حافلة في هذا المجال، حيث حقّق الخبراء أعمالا مهمة ابتداء بالاحتفال بمئوية ميلاد الأنثروبولوجي مولود معمري، وكذا إشراف المركز الوطني للبحث فيما قبل التاريخ بتحضير ملفات قدمت لليونسكو للتسجيل، وكذا أعمال أخرى في مجال التراث غير المادي، وتعرض في سياق حديثه على ضرورة فتح دورات تكوين للإعلاميين. تحدث الوزير أيضا عن ضرورة تسويق التراث ابتداء من المشاحف، التي عليها أن تتجاوب مع الجمهور، ومن ذلك مثلا منح الزوار إمكانية تصوير محتويات المتحف للذكرى وكذا التفكير في الترويج لهذه المؤسسات الثقافية. من جانبه، أكّد السيد جون أوروك سفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر أن برنامج «تراث» الذي موّله الاتحاد الأوروبي ب20 مليون أورو، والذي بلغ عامه الرابع، كان تحت شعار «دعم تراث الجزائر»، وهو يحمل بُعدا اجتماعيا. واستغل تدخّله ليندّد بالاعتداء الذي وقع على تمثال عين الفوارة بسطيف، مؤكدا أن «قوى تحاول ضرب الثقافة التي تعكس متغيرات المجتمع». كما ثمن المتحدث مشاركة الخواص وجمعيات المجتمع المدني والسلطات المحلية في برنامج «تراث» الذي حرص على التكوين المستمر للفاعلين في الحقل الثقافي من منشطين وصحفيين لهم دورهم في تثمين التراث وحمايته، معلنا أنه سيتم إرسال بعثة للتكوين في بروكسل لفائدة الصحفيين في مطلع 2018. كما تدخّل السيد فيصل وارات المدير الوطني لبرنامج تراث، الذي تطرق إلى المنهجية المطبقة في كيفية الاهتمام والنهوض بهذا الجانب سواء من حيث الترميم أو التثمين، كما استعرض دور وسائل الإعلام في المهمة، خاصة من حيث الترويج، وهو ما سيساهم أيضا في تحسين الأداء مستقبلا وتحويل الجزائر إلى وجهة سياحية. بعدها قدمت السيدة جهيدة ميهوبي (مكلفة بالدراسات والتلخيص بديوان وزير الثقافة) محاضرة بعنوان «الاتصال المؤسساتي، تثمين وحماية التراث»، تناولت فيها ضرورة تحديد الرهانات المتعلقة بهذا الجانب، منها الهوية والتراث وتفعيلهما في مجال التنمية، علما أنّ حماية التراث يعني حماية الممتلكات وهذه مقاربة اقتصادية مهمة. وركزت أيضا على رهان التكوين في قطاع الإعلام وكذا تخصيص حيز مهم من المادة الإعلامية للتراث وليس رميه في مؤخرة ما يبث أو ينشر، وركّزت أيضا على الاتصال المؤسساتي الذي سيعطي دفعا للتكامل في إنجاز مهمة تفعيل وتثمين التراث. أما الإعلامي أمزيان فرحاني من جريدة «الوطن» فقدّم محاضرة بعنوان «التراث في الصفحات الأولى، الخيال، الواقع والأفكار»، جلب فيها انتباه الحضور، حيث بدأها بحلم تمنى أن يتحقق وهو أن يرى الصحف اليومية مثل «المساء» و«الشروق» و«الوطن» وكذا الإذاعة تخصّص الخبر الأوّل لها لموضوع التراث، لكنه استيقظ من حلمه وهو يرى عبر مساره الصحفي لعقود أن ذلك لم يكن، وبالتالي تمنى أن نبدع طرقا للترويج والإقناع بأنّ التاريخ جزء من المستقبل ورهاناته، معطيا أمثلة بنت نهضتها على تراثها الوطني، وقد دعا إلى تكوين الصحفيين في هذا الجانب وتخصيص جائزة وطنية لهم خاصة بالتراث. من جانبه، قدم السيد أرنو كونتريراس وهو صحفي فرنسي مختص في التراث محاضرة بعنوان «تثمين التراث الصحراوي، الرهانات والآفاق»، أشار فيها إلى الضجر الذي أصابه حين تكليفه بمهمة تغطية مواضيع عن التراث في بداية مشواره الصحفي، وقام بعدها بذلك مكرها إلى أن التقى بضيفة استضافتها إذاعة فرنسا هي الجزائرية مليكة حشيت فتغيّرت أفكاره وقناعاته خاصة بعد اكتشافه للصحراء الجزائرية ودخلها لاكتشاف كنوزها، واليوم يتم طرح فكرة «التراث كشعار للسلم بالساحل»، وألح على ضرورة تقديم موضوع التراث من المواقع الحية وليس من المكاتب أو الاستوديوهات.