أصبح العنف في الملاعب الجزائرية هاجسا يؤرق السلطات العمومية والرياضية، بسبب الخطورة الكبيرة التي يشكلها اليوم على النظام العام، حيث كثيرا ما تحولت أعمال الشغب الى الشوراع وما ترتب عنها من تجاوزات مست الاشخاص والممتلكات العمومية، بل تسببت في وقوع وفيات في عدة ملاعب. وقد ازدادت حدة العنف هذه السنة بشكل خاص، إذ لا تكاد تخل مباراة في كرة القدم من اعمال الشغب التي تتميز بالمواجهات الدامية بين الانصار داخل وخارج الملاعب واجتياح الميادين في غالب الاحيان، فضلا عن تعرض المنشآت الرياضية للاتلاف. هذا الوضع أصبح لا يطاق بسبب انعكاساته على سائر شرائح المجتمع الجزائري، الذي يعتبر في غاليته أن آفة العنف غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا، ولا يمكن بالتالي الوقوف عندها كمتفرجين أمام توسعها. ولا ينبغي التقليل من المجهودات التي اتخذتها الهيئات الرياضية للحد من حدة العنف عن طريق معاقبة المسيرين، اللاعبين، الملاعب وغيرها من الإجراءات الصارمة، لكن للأسف الشديد بقيت الامور على حالها ووقف الجميع عاجزا عن إيجاد الحل لهذه المعضلة، التي تعد في نظر الاختصاصيين أحد الأسباب، التي ساهمت في تدهور مستوى رياضة كرة القدم في بلادنا، وكان طبيعيا أن يهجر الرياضيون الحقيقيون الملاعب التي اصبحت مسرحا لسلوكات خارجة عن اطار الرياضة، سببها عوامل كثيرة خاصة الاجتماعية منها، ما يؤدي بالشباب الى تفجير مكبوتاته وكسر الرتابة اليومية بالعنف، حيث اصبحت تصرفاته ظاهرة اسبوعية تلازم الملاعب الجزائرية، وينتظر أن تزداد حدة تصرفاته مع نهاية الموسم الكروي بسبب تداعيات التلاعب بنتائج المباريات. وهناك من حمل مسؤولية انتشار العنف لمسيري الاندية، الذين يبقى انشغالهم الاول هو البحث عن النتيجة بأية طريقة، دون المساهمة في رفع مستوى اللعبة أو تحسيس المناصرين بما يحدث من تجاوزات، وأدى ذلك الى اتهامهم بترتيب نتائج اللقاءات من خلال التأثير على قرارات الحكام والضغط على الهيئات المسيرة للبطولة، وهي سلوكات يرمون من خلالها الى محاولة الحفاظ على مناصبهم، التي تمكنهم من تحقيق مآربهم على عدة أصعدة، بدليل استمرار البعض منهم في مواقعهم لأكثر من عشر سنوات. لقد بات ضروريا الآن تحديد معالم الأسباب الحقيقية التي تحرك انتشار العنف، وهو ما تسعى إليه السلطات العمومية من خلال الإجراءات الأخيرة التي بادرت بها وزارة الشباب والرياضة، وتبعتها مبادرات من بعض الفعاليات السياسية والمجتمع المدني، ومن بينها ما قامت به الوصاية لما باشرت تنظيم منتدى وطنيا تحت شعار "رياضة - سلم ومواطنة"، يهدف الى معالجة ظاهرة العنف التي جعلتها الوزارة مركز الاهتمام في الآونة الاخيرة بسبب آثارها المدمرة على المجتمع والاقتصاد الوطني. وقد تم لهذا الغرض تنصيب العديد من اللجان التحضيرية عبر التراب الوطني، تضم إطارات الشباب والرياضة ولجان الانصار والحركة الجمعوية المحلية والوجوه الرياضية، وهي الآن بصدد إعداد أنشطة ثقافية ورياضية تحسيسية من شأنها أن تشجع الروح الرياضية لدى الأنصار، بالاضافة الى تقديم شروحات حول تعاليم الثقافة الرياضية وقيم المواطنة والسلم، واقتراح ودراسة الإجراءات التي سيتم المراهنة عليها من أجل وضع استراتيجية وطنية، تهدف الى الوقاية من العنف في القطاعات الرياضية ومتابعتها تقييم تطبيقها عمليا. وينبغي التنويه في هذا الاطار، بالمبادرة التي قامت بها الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، من خلال تنظيم يوم برلماني حول العنف في الملاعب الرياضية، حيث نبه المشاركون في هذه الندوة الى خطورة هذه الآفة، وضرورة مكافحتها قبل استفحالها في المجتمع الجزائري، وكانت فرصة لمسؤولين في الدولة للمطالبة بالقضاء على هذه الآفة الغربية عن مجتمعنا أسوة بما نادت به بعض الوجوه الرياضية الكروية، التي اقترحت اتخاذ إجراءات جذرية من أجل اعادة السلم والروح الرياضية في ملاعبنا.