نشط الأستاذ موسى بن حدو، أول أمس، بالجاحظية، محاضرة بعنوان "ذاكرة الماء لواسيني لعرج، ملاحظات قارئ"، وفيها وقف بالتحليل على نقاط الضعف والقوة في هذه الرواية طارحا بعض التساؤلات التي حاول الإجابة عنها في سياق محاضرته. قدم المحاضر عرضه ضمن نقاط محددة وهي "واسيني روائيا"، و"ذاكرة الماء"، والشكل الروائي والحدث الروائي، اللغة، والخلفية الحضارية، مركزا في كل هذه النقاط على عنصر اللغة باعتباره الأهم في العمل الإبداعي فهي اللون الذي يطبع شخصية الكاتب. أما روائيا فواسيني لعرج، هو وجه من وجوه الثقافة الجزائرية، وهو أكاديمي وإعلامي ذو عمل دؤوب ومتواصل، مطلع جيد على الثقافة العربية والفرنسية مخلص للفعل الثقافي، كثير الاطلاع والبحث، وهو مثقف لين حتى مع المختلفين معه. واسيني هو أيضا من أشهر كتاب جيل ما بعد الاستقلال إلي جانب سعيداني هاشمي، سعدي ابراهيم، مرزاق بقطاش وغيرهم من المنتمين إلى المدرسة الحديثة، وهو جيل من المبدعين لم يحظ بالمتابعة والاهتمام التي حظي بها جيل الرواد من أمثال الطاهر وطار مثلا، على الرغم أيضا من تحمله عبء التأصيل للرواية العربية في الجزائر. "ذاكرة الماء" هي واحدة من 12رواية كتبها واسيني هي ذات قيمة فنية، وتطرح سؤالا موجعا هو سؤال الهوية والإنتماء الحضاري كالقول "من نحن؟"، و"ماهي ثقافتنا"، والرواية أيضا ترسم فترة هامة من تاريخ الجزائر بعد 40 سنة من الاستقلال أي أثناء فترة العشرية السوداء، والرواية تجربة فنية ناضجة صادقة بأسئلة جريئة ذات خط فني وفكري واضح يرفض التقليد. وفيما يتعلق بالشكل الروائي فإن الشكل لا يختلف عن المضمون ولا عن أدوات الكتابة وبذلك ظهر التلاحم. عبر المضمون عن الشخوص الذين يتهددهم الموت والذين يسرقون فترات الصفا من الموت المجاني وبرز في الرواية قوة التحليل، وتداخل المشاهد، وتقارب وتباعد الذكريات. أما الحديث الروائي فتختصره الرواية في مقطع ما حيث تدور الأحداث في برنامج يوم واحد يعيشه البطل الذي يكتب رسالة إلى مريم زوجته المقيمة بفرنسا، ثم يذهب إلى البريد، ثم المطبعة، ثم حوار مع نادية في المطعم، ثم حضور جنازة يوسف سبتي بالمقبرة كل هذه الخطوات محسوبة بدقة لتفادية أية تصفية جسدية، وكلها أحداث تدور في يوم واحد، لكن الزمن النفسي عند البطل لا حدود له، إذ يستعرض حاضره وماضيه في قسوة من الراهن المهدد بالموت، لكنه يواصل حياته ويرفض الهجرة وينجز رغم كل شيء برنامجه اليومي السري بحذر، وهكذا تتدافع الأحداث في انسياب وانسجام. لغة الرواية ذات مستويات متعددة، ففيها اللغة الشعرية التي تظهر في رسائل البطل لمريم وفي حديثه عن الطبيعة. وهناك فترات تنزل فيها لغة الرواية الى ما دون مستوى اللغة ربما كان ذلك عمدا، لكن المحاضر أصر على استعراض بعد الأخطاء "غير المقبولة" في الرواية منها عبارة "انكسر العصفور على رأسه" في الصفحة 120 وعبارة "أشعر به هي وهي هو"، و"يتزربعون بسرعة"، "أحداب وأصواب"، "الدنيا تسخفت" والهبوط الى المباشر اليومي لا يشفع لهذه الأخطاء ولا يجوز لأستاذ جامعي حامل للواء اللغة أن يمارس كل هذه الأخطاء، في حين أن واسيني استعمل في روايته 40 جملة بالفرنسية وكلها سليمة لا غبار عليها، استعماله للدارجة لم يكن مقنعا مبتعدا في ذلك عن استعمال اللغة الوسطى التي برع فيها الطاهر وطار، والطيب صالح فدارجة واسيني لم تخضع للمقاييس الفنية وأساءت للنسيج الروائي. من ناحية أخرى، يحس القارئ أن هذه الرواية مترجمة ولم تكتب في أصلها بالعربية، أي أنها ليست متينة ومتأثرة بالفرنسية، مشيرا -أي المحاضر- إلى أنه على الكاتب أن يبدع في لغته الأم. الخلفية الحضارية للرواية أبرزت القيم التي تمسك بها المؤلف وجعل البطل يلتفت في لحظات تهديد الموت الى مسائل الهوية والوطن وغيرها لم يكن يلتفت إليها في أيامه العادية. للتذكير فإن بن حدو موسى أستاذ جامعي وروائي صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "المنديل الأخضر" وله رواية تحت الطبع كما أن له اسهامات صحفية جزائريا وعربيا.