رئيس الجمهورية يدعو طلائع المجتمع للعمل على تحقيق الوحدة المغاربية دعا رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أول أمس رجال العلم والمعرفة والفكر والأدب والفن ورجال الإعلام وكافة مكونات المجتمع الجزائري وطلائعه الشبانية والواعية إلى العمل على تحقيق الوحدة المغاربية، كما حلم بها ابن باديس وأرادها الشهداء. فبعد أن أوضح أن إشكالية الوحدة المغاربية التي كانت الشغل الشاغل للشيخ عبد الحميد ابن باديس ما زالت قائمة إلى اليوم، أكد السيد بوتفليقة في رسالته إلى المشاركين في الملتقى العاشر لمؤسسة الشيخ عبد الحميد ابن باديس ألقاها نيابة عنه السيد محمد علي بوغازي مستشار لدى رئاسة الجمهورية بأن الدولة ستعمل قدر المستطاع على توفير الظروف المشجعة لتلك الفئات، حتى تجد مكانتها المستحقة في بلدها، وتنضم إلى طلائع الجزائر في بناء مشروع المجتمع المغاربي الذي نحلم به معا" مشيرا إلى أنه "في كل الأحوال ستتاح لهم فرص المشاركة ايجابيا في خدمة ورقي المغرب العربي عن قرب أو بعد". وذكر رئيس الدولة بأن العلامة ابن باديس كان مؤمنا بوحدة الهوية واللغة والثقافة والدين والتاريخ والمصير المشترك لشعوب بلدان المغرب العربي، وكرس وقته وحياته للمساهمة في الفضاءات التي تهتم بقضايا المغرب الكبير وبمستقبله، مستعملا في ذلك المجال الفكري والثقافي والديني والأدبي والتربوي والنضال السياسي والتحرري، وكل ما كان له من وسائل مختلفة، لأنه كان يعتبر أقطار المغرب وطنا واحدا وسكانه شعبا واحدا، مستشهدا في سياق متصل بقول الشيخ العلامة "حيثما توجهنا إلى ناحية من نواحي التاريخ وجدنا هذا المغرب العربي يرتبط بروابط متينة روحية ومادية تتجلى بها وحدته للعيان، ولسنا نريد هنا أن نتحدث عن التاريخ القديم وإنما نريد أن نعرض صفحة من التاريخ الحديث الجاري". وأبرز الرئيس بوتفليقة في الإطار دفاع العلامة ابن باديس طوال حياته عن هذه القيم بكل شجاعة وقوة، وبالمواقف الجريئة والثابتة التي تصدى من خلالها لمن كان ينكر هذا المسعى من أبناء المغرب والمشرق، "كما تصدى على حد سواء باحتجاجاته المستنكرة ضد الإدارة الفرنسية في الجزائر وتونس والمغرب الأقصى وحكومتها بباريس عند تدخلها في المسائل التربوية والدينية وحرية التعبير وفي الشؤون الأهلية وغيرها". كما ذكر بأن العلامة كان يعتبر الإصلاح التربوي والديني والاجتماعي والسياسي في هذه الأقطار إصلاحا للجميع وكان يعتبر التخلف والجمود ضررا على المجتمع، مضيفا بأن الشيخ بن باديس ورفاقه كانوا يقفون دائما في وجه المحن ويعملون بإخلاص وصمود وتحد للاستعمار وأعوانه، حتى ينتشلوا الشعب من وهدته ويوقظوه من رقدته، "لينطلق كالمارد الجبار يحطم القيود ويحرر البلاد والعباد وفق مقولته الشهيرة "تستطيع الظروف أن تكيفنا لكنها لا تستطيع بإذن اللّه أن تتلفنا". وفي حين شدد السيد بوتفليقة في كلمته على أن مواكبة العصر لا تعني أبدا التنكر لماضينا وأعلامنا والانسلاخ عن جذورنا أو التقليل من شأن دورنا في بناء وحدة المغرب العربي، ذكر بدفاع العلامة بن باديس عن الهوية الوطنية والمغاربية من دين ولغة وانتماء حضاري "محاربا للآفات الاجتماعية بمعانيها الواسعة، إدراكا منه بأن أخطر آفة يمكن أن تصيب المجتمع وتقضي على كيانه هي آفة الجهل والنسيان، ولا سيما في القضايا السياسية والانتماء الحضاري"، مبرزا بالمناسبة بأن هذه الآفات تولد الفتنة والتشتت والفرقة والمسخ والفقر والتبعية وتقضي على كيان الأمة. كما أكد رئيس الجمهورية بأن وحدة شعوب المغرب العربي التي نادى بها الشيخ بن باديس منذ بداية القرن العشرين "ليست مجرد آليات ومؤسسات وأحزاب ووسائل إعلام وحرية تعبير وحقوق إنسان ومجتمع مدني في كل بلد مغاربي، وإنما هي ثقافة مشتركة متنوعة وغنية، تتبدى في السلوك اليومي للأفراد والجماعات، موضحا بأن هذا السلوك يتجلى من خلال احترام الآخر والقبول بالتنوع والاختلاف وإدارة الحوار بالطرق السلمية وبحرية ومساواة أمام القانون وتسامح ومشورة وتكريم للإنسان وتقرير لحقوقه الأساسية والاجتهاد وضمان حرية التعبير والتفكير. وبالمناسبة حث السيد بوتفليقة بنات وأبناء الجزائر على التحلي بفضيلتي العلم والمعرفة والوطنية، واصفا الشباب الجزائري الصاعد والواعد بمشاعل سلام وتنوير وحضارة وإنسانية وحملة الأمانة وحماة الرسالة والمضحين بكل ما ملكوا من أجل عزة وكرامة الجزائر. وأشار في سياق متصل إلى أن الإنجازات التي تحققت في البلاد في مختلف القطاعات منذ استرجاع الاستقلال الوطني والأشواط المعتبرة التي قطعت في تشييد مشروع الدولة والمجتمع، "تجعلنا ننظر بكثير من التقدير والاعتزاز إلى حاضر التجربة الجزائرية، التي تعتبر خلاصة نجاحات وانكسارات ومتاعب وتحديات وجهود مضنية وتضحيات غالية أفرزت المرحلة التي نعيشها بوعي وحكمة بالغة، وإرادة راسخة في المضي بها بثبات ومثابرة إلى مستقبل مزدهر". كما اعتبر أن ما تحقق في الجزائر من مكاسب، "تجربة غنية ورائدة مقارنة مع الكثير من البلدان التي سبقتنا في ذلك دون أن تصاب بالمحن والأرزاء التي ابتلينا بها بقسوة وشدة"، مؤكدا بأن هذه التجربة في حاجة إلى إثراء وتعميق وتطوير وجديرة بالدعم والصيانة والترقية المتواصلة "لبلوغ ما نصبو إليه من تقدم ورقي والتشبث بالأصالة والثوابت والجذور، مدركين ضرورة مواكبة متطلبات العصر والحداثة التي كانت من زحف العولمة وتعميمها". من جهته أشار السيد عبد الله بوخلخال رئيس مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، إلى أن الهدف من تنظيم الملتقى المخصص هذه المرة للفكر المغاربي للعلامة ابن باديس، يتمثل في إبراز الاهتمام الكبير للشيخ العلامة وإيمانه بوحدة الهوية واللغة والثقافة والدين والتاريخ والمصير المشترك لشعوب بلدان المغرب العربي، مشيرا بالمناسبة إلى أن الشيخ عبد الحميد بن باديس انتقد بشدة البرامج والمقررات الدراسية والطرق البيداغوجية البالية المستعملة آنذاك في المؤسسات التربوية، وخاصة منها جامع الزيتونة بتونس، مقدما اقتراحات ونصائح بديلة كان من شأنها دفع المنطقة إلى اللحاق بالدول المتقدمة والمتطورة حتى تواكب العصر الذي يعيش فيه أهلها.