التف الجمهور وتعالت الزغاريد والتصفيقات، انفعل الحضور بقوّة مع كلمات القصيدة..ازداد الشوق لمعرفة تفاصيل الحكاية وبقيت علامات الاستفهام تجول أجواء الخيمة التي تربع فيها "الشيخ عز" راوي السيرة الهلالية القادم من محافظة صوهاج المصرية رفقة فرقته الموسيقية المتكوّنة من أربعة أشخاص بقصر المعارض. يضرب الشيخ موعدا كلّ مساء لجمهور ولع بمعرفة أسرار السيرة الهلالية ليواصل الحكاية التي انطلقت مع أوّل يوم من انطلاق فعاليات المهرجان الإفريقي، على أوتار الربابة وآلة الإيقاع، يحكي الشيخ قصة الحبّ والحرب وتقنيات الدفاع عن النفس والحنكة العربية في الحفاظ على الخصوصية.. وتفاصيل حكايات حكام بني هلال والفرسان العرب والأميرة "سعدة" التي دقّت طبول الحرب إكراما لعينيها من خلال مليون بيت. "المساء" التقت الشيخ عّز واسمه عز الدين نصر الدين محمد، وسألته عن سر ولعه بالسيرة الهلالية، والجاذبية التي تميّز طريقة إلقائه وجلب الاتجاه نحوه، فقال "حكايتي مع السيرة الهلالية طويلة جدا تمتدّ إلى التاريخ الذي كان فيه عمري 10سنوات وحفظتها من والدي الذي كان بدوره راويا ويقدّمها في حفلات الزفاف، الختان والأفراح...تعلّقت بها، وفي سن السادسة عشر بدأت أرويها بدوري، فالسيرة الهلالية بالنسبة لي ليست مجرّد قصيدة متعدّدة الأبيات، فهي التاريخ ..إنّها أم التراث الشعبي فهي سيرة الأمّة العربية، كما تروي حتى تاريخ الفرس، لا يوجد بلد عربي واحد لم يذكر فيها، كونها تتطرّق الى الحرب الصليبية الإسلامية والكيد اليهودي للعرب وغيرها من الأمور التاريخية التي يمكن تقديمها للأجيال في قالب يستساغ ويفهم مباشرة الى جانب بطولات الفرسان العرب". ويواصل محدّثنا قائلا "وهنا أودّ أن أضيف أنّ السيرة الهلالية ليست حربا وقتالا فقط، بل هي ثقافة انتصار أمّة، ولهذا وجب الحفاظ عليها وتوارثها عبر الأجيال وأنا شخصيا أقدمها لابني الزناتي الذي يرافقني في الحفلات، وهو فرد من أفراد السيرة المتكوّنة من أربعة أشخاص، الراوي وهو أنا، والآخر هو "قائل الموّال"، والذي يشكو بالقصيد ويقال له "المربع" ثمّ العازف على الربابة والعازف على آلة الإيقاع. وحول عدد أبيات السيرة قال محدّثنا "هناك من الشعراء والكتّاب من قال أنّها تحتوي على مليون يبت والسيرة قابلة للزيادة بمساعدة المتلقي، فكلّما كان المتلقي متلهفا لمعرفة تفاصيل السيرة وباقي حكاياتها كلّما ساهم هذا في زيادة الإبداع لدى الراوي الذي يعتمد بدوره على التشجيع". وعن سرّ حمله لهذا الإرث الثقيل، قال الشيخ عزّ "لقد حملتها حبّا فيها ..إنّها كتاب معارف، ملئ بمختلف الثقافات فهي تعلّمنا أصول الطاعة مع الخالق، واحترام الكبير والصغير والضعيف وغيرها من الأمور، وقد حظيت بلقب ثقيل جدا من منظمة اليونيسكو وهو لقب "عز الدين، كنز من التراث" وهذا ما يزيد من ثقل المسؤولية على كاهلي. وعن وجوده بالجزائر قال "أنا سعيد جدّا بوجودي في الجزائر وسط أحبائي وأهلي فقد حظينا بمعاملة رائعة جدا، وشعرت أنّني لا أزال فوق تراب مصر نظرا للخصوصيات الكثيرة التي تجمعنا، كما أعجبت كثيرا بالطابع العمراني للقصبة.