نظم المجلس الأعلى للغة العربية أمس بفندق الأروية الذهبية وضمن منبره ''شخصية ومسار'' لقاء حول ''مآثر القطب الموسوعي محمد بن يوسف أطفيش: العلم والتقوى وخدمة الجماعة''، هذا العلم المشهود له بالحكمة وخدمة الوطن والمعروف بتراثه الثقيل داخل الجزائر وعبر دول الوطن العربي والاسلامي. يندرج اللقاء ضمن برنامج المجلس الرامي إلى تثمين جهود أولئك الذين ساهموا في الدفاع عن مقومات الشعب الجزائري والتنويه بنضالاتهم ومحافظتهم على تجانس المجتمع والوحدة الوطنية والتعريف بالتراث الوطني المشترك. كان الشيخ أطفيش من أعلام الاصلاح الاجتماعي والديني المبني على المنهج الاسلامي الصحيح، الرافض لمظاهر الجمود الفكري والتعصب داعيا إلى العلم النافع ونبذ الصراع المذهبي الذي غذاه الاستعمار الفرنسي قصد القضاء على المقاومة. ظل الشيخ صامدا ونموذجا للوطنية ومرجعا دينيا وثقافيا شامخا. للإشارة فقد ترأس جلسة اللقاء الدكتور عمار طالبي الذي ذكر بعلاقات الراحل مع أبرز رموز الاصلاح في وطننا العربي ابتداء من رشيد رضا إلى شكيب أرسلان، محمد عبده وغيرهم كثيرون إضافة إلى علاقاته بالاصلاحيين والأدباء في دولة باكستان. ولا يزال اسم هذا الرجل منقوشا في ذاكرة المشرق خاصة بالقاهرة أين أسس مع المصلح الشهير الخطيب مجلة ''الهداية الاسلامية'' إضافة إلى نشاطه مع المقاومين في كل مكان مغربا ومشرقا، إلى درجة أن الزعيم الليبي الثائر سليمان الباروني الذي حارب الايطاليين كان من تلاميذه المقربين. شارك في الندوة العديد من الباحثين والأساتذة وقد استهل المداخلات الدكتور العربي ولد خليفة الذي استحضر صفة ''القطب الأعظم'' التي وصف بها حياته وما كان منه من علم وأدب وشعر ونضال سياسي لذلك فإن حياته أصبحت مدرسة رائدة للجزائريين والعرب والمسلمين ولا تزال كتبه تدرس في شرق افريقيا وفي عمان إلى درجة أن هذه الأخيرة اختارت أحد أحفاده ليكون ممثلها في الأممالمتحدة. توالت التدخلات، منها تدخل لحفيد الراحل وهو الأستاذ الحاج محمد اطفيش الذي توقف عند محطات مهمة من تراثه وحياته إضافة الى مواقفه السياسية الشجاعة. الشيخ امحمد بن يوسف أطفيش اشتهر بلقب ''قطب الأمة'' ولد سنة 1821 بغرداية، عاش يتيم الأب عانى قساوة العيش، اشتغل بالتدريس في سن ال15 سنة وعمل على اصلاح مجتمعه ومحاربة الاستعمار، وفي فترة قصيرة تولى القضاء، خرج إلى الحجاز مرتين إضافة إلى بعض الرحلات داخل الوطن. كان المفكر الأعزل الذي نشأ في وطن عظمت فيه المحن فزاده ذلك إصرارا على العطاء والتضحية. كان الشيخ عالما موسوعيا في علوم متعددة وألف كتبا عديدة كالعقيدة وعلم الكلام والمنطق والتفسير والفقه وأصوله واللغة والحديث وقد أحصي من تآليفه 135 أثرا بين كتاب ورسالة، بالإضافة إلى المراسلات والمنظومات الشعرية هذه خلاصة اجتهاد وجد. أصبحت أعمال الشيخ في عصرنا محل دراسة من طرف باحثين ومختصين للتعريف بتراثه ونضاله وقد نوقشت حوله 12 أطروحة (4 دكتوراه دولة) حول منهجه في تفسير القرآن العظيم وأصول الدين واللغة. لا يزال كتابه ''الذهب الخالص'' منارة خالدة حيث سبق مفكري عصرنا وجمع بين الفقه والأخلاق وعلم الاجتماع والسياسة. للتذكير؛ فقد تم في هذا اللقاء تكريم حفيد الشيخ من طرف الأستاذ نويوات ممثل رئيس الجمهورية وكذا الدكتور ولد خليفة، كما تم اهداء عشرات الكتب لمكتبة الشيخ بغرداية كما نظم على هامش اللقاء معرض لكتب الشيخ ومراسلاته.