يبرز انعقاد الملتقى حول مكافحة الإرهاب في شمال افريقيا الذي احتضنته الجزائر نهاية الأسبوع، الأهمية التي يكتسيها التجنيد الدولي لاجتثاث هذه الظاهرة العابرة للحدود·
وباعتبار الجزائر أكثر تضررا من هذه الآفة، فإن لها من الخبرة والتجربة ما يكفيها لوضع تصورات في كيفية اجتثاث هذه الظاهرة التي تبيّن أنها لا تستثني دولة دون أخرى، وتجلى ذلك بالخصوص بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث أزالت التحفظات بخصوص ما كان يجري في الجزائر لاسيما بالنسبة للدول الأوروبية التي لطالما تغاضت عن وجود شبكات إرهابية لوجيستيكية على أراضيها كانت تنفذ عملياتها الإجرامية انطلاقا منها تجاه الجزائر· ولم تأل الجزائر جهدا في التحسيس بخطورة الظاهرة وأهمية التكاثف الدولي للتصدي لها، بدعوتها لعقد مؤتمرات للتفكير في آليات محاربة الإرهاب، وهو الطرح الذي انضمت إليه الكثير من الدول التي اقتنعت بسدادة الرؤية الجزائرية، حيث سرعان ما تحوّلت بلادنا إلى مزار للعديد من الوفود الأجنبية التي أضحت تتهافت للاستفادة من التجربة الجزائرية· وأن انعقاد مثل هذا الملتقى الذي سبقه احتضان الجزائر لملتقى دولي لتحسيس المجتمع المدني بظاهرة الإرهاب، يؤكد الدور الذي باتت تلعبه الجزائر في التصدي لهذه الآفة العابرة للحدود، ليس فقط على المستوى الأمني والعسكري فحسب، بل بالدعوة إلى التفكير والتمعن في مسببات هذه الظاهرة واجتثاثها من جذورها· وهي الرؤية التي كثيرا ما يدافع عنها الرئيس بوتفليقة عند حديثه في كل مرة عن هذه الظاهرة، بالدعوة إلى وضع تصور شامل في كيفية التصدي لها، ومن ثم التوصل إلى تعاون نوعي في مجال الوقاية من الإرهاب ومحاربته· ولعل الملتقى الإفريقي الذي احتضنته الجزائر نهاية الأسبوع يندرج ضمن هذه الرؤية، في الوقت الذي أضحت فيه منطقة الشمال الإفريقي مهددة أكثر من غيرها من هذه الآفة، مما يستدعي تعزيز قدرات الدول الإفريقية وتفعيل الإطار القانوني الذي تمخضت عنه اتفاقية الوقاية من الإرهاب ومحاربته التي صادقت عليها القمة ال35 لمنظمة الوحدة الإفريقية التي احتضنتها الجزائر في جويلية 1999، ثم المصادقة على برنامج عمل الجزائر سنة 2002، ثم الانطلاق الرسمي في أكتوبر 2004 للمركز الإفريقي للدراسة والبحث حول الإرهاب· كما من شأن هذا الملتقى الجهوي أن يشجع التفكير على توسيع الجهود دوليا لتعزيز التعاون للتصدي للظاهرة، إذ تبدي الدول الإفريقية عزمها على خنق الظاهرة وتجفيف منابع تمويلها عبر الحدود، فإن للضفة الشمالية أيضا دور في محاربة الشبكات اللوجيستيكية لهذه الجماعات التي لطالما اتخذت من أوروبا قاعدة خلفية لها· وبرؤية مواكبة للتطورات الراهنة فقد ركزت الجزائر على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار خصوصية تأقلم الإرهاب مع التحولات المتعددة، لاسيما التكنولوجية منها، حيث أصبح لهذه الظاهرة ارتباطات مع شبكات التهريب والإجرام التي تجد في الفراغ التشريعي والقانوني مرتعا لممارسة نشاطاتها في منطقة الشمال الإفريقي· ويمكن القول أن ملتقى الجزائر قد ألقى الضوء على تحديات أضحت تنتظر الأفارقة بالنظر إلى طبيعة ظاهرة الإرهاب التي تعرف انتشارا سريعا، مما يفرض المزيد من التنسيق والتشاور وتكثيف برامج التكوين المتطورة والكفيلة بمحاربة هذه الآفة العابرة للحدود، وما أحوج الدول الإفريقية لهذه الخبرات والتجارب من منطلق أن تعزيز التنسيق فيما بينها من شأنه أن يحد من تفاقم الظاهرة·