قال الكاتب والناقد الأدبي فيليب لانسو، إنّه لا يمكن أن يولد الشخص ناقدا أدبيا، بل يصبح ذلك بعد أن يكسب خبرة طويلة في مجال الصحافة ويتغلغل في عوالم الأدب والثقافة، ويكون شغوفا بالقراءة. وأضاف فيليب لانسو في المحاضرة التي ألقاها أول أمس بالمدرسة العليا للصحافة، بعنوان ''النقد الأدبي والصحافة الثقافية''، أنّه على الناقد الأدبي أن يختار الكتب التي يقرأها، مستطردا أنّه يتلقى في جريدة ''ليبراسيون'' التي يعمل فيها منذ سنوات الثمانينات أكثر من عشرين كتابا في اليوم، أمّا عن افتتاح الموسم الأدبي فيعرف إنتاج 800 رواية، لهذا فهو في العادة ينتقي العناوين التي يراها مناسبة للقراءة، من خلال دور نشرها التي تنشر في العادة كتبا جيدة. وتناول فيليب بإسهاب، وظيفته في جريدة ''ليبراسيون'' التي بدأ فيها مخبرا صحفيا، ليتحوّل مع بداية الألفية الثانية إلى ناقد أدبي، فقال أنّ للجريدة قاعدة ذهبية تتمثّل في عدم إصدار مقالات عن دور النشر التي ينشر فيها صحفيوها الكتاّب، وهذا لدحض كلّ وساطة وكذا الخروج من التقليد الذي يجعل من الناشر ناقدا في آن واحد، بالإضافة إلى عمل الجريدة على فتح صفحاتها للروايات الأجنبية بدلا من اقتصارها على الروايات الفرنسية، مثلما تعمل به الكثير من الجهات. أمّا عن التحقيق الأدبي، فيقوم به فيليب من خلال التنقّل شخصيا إلى مسكن الشخص المحاور، وهكذا يتمكّن من التعّرف عليه وعلى كتاباته عن كثب، فالثقافة -حسب فيليب- هي الحياة، ودور الناقد هو الكشف عن بعض خباياها، وكذا التحقّق من كلّ معلومة يتلقاها، ومن الأفضل أن يذهب إلى مصدر المعلومة بنفسه أو يسأل المثقفين والخبراء، وبالأخص عدم اعتماده على الأنترنت كمصدر للمعلومة، بل يعتبرها مجرّد قناة. بالمقابل، اعتبر فيليب المتخصّص في الأدب المكتوب باللغة الاسبانية، أنّه من غير المفيد أن يقرأ الناقد كتابا لا يحبّه وبعدها يقوم بنقد لاذع، مستطردا قوله بأنّ الناقد يلعب دور الكاشف، أي أنّه يوضّح مكنونات الكتاب للقارئ، فمثلا يظهر له الفقرات أو المعاني التي من الجميل أن يدرك كنهها، كما أنّه من الضروري على الناقد أن يسمع موسيقى كلّ كتاب من منطلق أنّ لكلّ مؤلف إيقاعه الخاص. وأضاف فيليب أنّ الناقد يجب أن يذكر في نقده كل الأمور التي جذبته في المؤلّف، ومن ثم يقوم بتحليل الأسلوب، من خلال معاينة ريتم الكلمات والجمل، وكذا الأفعال المستعملة، التشبيهات والصفات وغيرها، أمّا في حال عدم تطابق الكتاب مع ذوق الناقد، فيقوم هذا الأخير بطرح سؤال عن نفسه، ألا وهو ''لماذا لم يعجبن الكتاب؟ هل لأنّ القصة لم ترق لي؟ هل إنّني بمزاج سيء؟ أم لأنّ الكتاب كُتب بطريقة سيئة؟'' وحينها يمكن أن يكتب نقده بكلّ حرية وذاتية أيضا، بحكم أنّه لاموضوعية في النقد، رغم أنّ هذا الأخير علم، لأنّه يتوقّف على ضوابط وقواعد معروفة. أمّا الصعوبات التي يمكن أن يتعرّض لها الناقد الأدبي في الصحافة، فتتمثّل في إيجاد مساحة كافية في الجرائد التي أصبحت تعاني من مشاكل اقتصادية، وبالتالي تُوظّف في أغلب الأحيان صحافيين يعملون بالقطعة، وبالتالي لا يقرؤون، في الأغلب، الكتب التي ينتقدونها، علاوة على اقتصار التلفزيون والإذاعة على ترويج الكتب، بدلا من نقدها، وهكذا يوضع الكتاب الجيد والسيئ في نفس المرتبة. كما انتقد فيليب التقليد الجديد الذي اقتحم عالم النشر والنقد معا، وهو انتقاد بعض المؤلّفات قبل صدورها الذي يتزامن مع افتتاح الموسم الأدبي، وهو ما يراه الكاتب الصحفي قمة في التفاهة، بحكم أنّ القارئ عندما يقرأ النقد لا يجد الكتاب في المكتبات ليشتريه، مضيفا أنّه أصبح من اللازم أن يكتب جمع من النقّاد حول نفس الكتاب في نفس المدة، لكي يساهموا في انتشاره. بالمقابل، تحدّث فيليب عن الجوائز الأدبية التي تقدم في شهر نوفمبر، وقال إنّ أعضاء لجان التحكيم تعرض عليهم بعض العناوين لقراءتها، ومن ثمّ، تختار الأسماء الفائزة، ونظرا لكثرة العناوين المقترحة، فإنّ أعضاء اللجان لم تعد تقرأ الكثير من الكتب، في إطار آخر، أشار المتحدث إلى الأهمية البالغة للثقافة كرصيد مهم للناقد، وكمثال عن ذلك، قراءة فيليب لكلّ أعمال كامو وحتى زيارة مسكنه في بلكور، قبل أن يكتب تحقيقا أدبيا عنه بمناسبة مرور خمسين سنة على وفاته. للإشارة، نشّط فيليب لونسو بعد المحاضرة ندوة حول نفس الموضوع، حضرها طلبة المدرسة العليا للصحافة والصحفيين.