وهل مسارح العالم ما زالت تحتفي ببرتولد بريخت ومسرحه النضالي؟ وهل خشبات المسارح العربية ما زالت تردد أصداء تمثيليات ألفريد فرج؟ ما عاد يجري ذكر لمسرحية ”الخبزة” لعبد القادر علولة الذي اغتيل ذات يوم من 1994 على إثر رصاصة أسكنها أحد القتلة دماغه وهو في طريقه إلى المسرح. ومسارحنا، إن كانت هناك مسارح بالفعل، دخلت في غيبوبة تامة منذ أكثر من عقدين من الزمن. شبان يجتهدون لكي يرفعوا هاماتهم على خشبات المسارح الجزائرية، ولكن، ما من أحد يصغي إليهم، ولذلك بات المسرح الجزائري في خبر كان. والمسارح التقدمية العالمية ما عادت تردد تمثيليات برتولد بريخت بالرغم من أنها صارت من كلاسيكيات الأدب التمثيلي العالمي. سقطت الشيوعية في الاتحاد السوفياتي، وفي ألمانيا الديمقراطية التي كان بريخت ينتمي إليها، وغاب كل شيء في زحمة السقوط. وما أحسب أن المسارح العالمية ما زالت تقدم عروضا لمسرحيات بريخت بالرغم من أنها ذات مضامين إنسانية رفيعة المستوى. وكذلك الشأن بالنسبة لتمثيليات ألفريد فرج الذي كان يملأ المسرح المصري والعربي بدءا من خمسينات القرن الماضي. ما عاد أحد يقدم تمثيلية ”علي جناح التبريزي” ولا غيرها من أعماله الأخرى. وأحسب أن الأمر مماثل فيما يتعلق بالكاتب المسرحي السوري النابغة، سعد الله ونوس. ما عاد مسرح عربي يقدم عروضا عن ”رأس المملوك جابر” ولا ”حفلة سمر في حزيران” ولا غيرهما من تمثيلياته الجادة. فأين يكمن سبب هذا التراجع؟ أغلب الظن أن السياسة ابتلعت المسرح. فالذين كتبوا للمسرح في فترة من الفترات وجدوا أنفسهم مرتبطين ببعض أنظمة الحكم، أو ببعض الإيديولوجيات. وعندما سقطت تلك الإيديولوجيات وأنظمة الحكم وضعت تلك المسرحيات الجادة في رفوف المكتبات، ولم يعتن بها بعد ذلك سوى بعض أهل الاختصاص أو مؤرخي المسرح عبر العالم. المسرح فن مقلق، يقض مضاجع أهل السياسة لأنه يحرك المجتمع حواليهم، ويدفع به إلى السير في اتجاه التاريخ، أي نحو الأمام. وليس العيب كامنا في كتاب المسرح من أولئك الأدباء العظام، وإنما في أهل السياسة الذين يذهب بهم الظن إلى أنهم باقون على كراسي الحكم إلى أبد الآبدين. كان بريخت صاحب رؤية تقدمية إلى المجتمع البشري، وقد احتفت به هوليوود الرأسمالية في ثلاثينات القرن الماضي، ورددت مسارح العالم، شرقا وغربا، تمثيلياته، لكن ذلك لم يحل بينه وبين السقوط في هاوية النسيان. وكان عبد القادر علولة ينظر إلى المجتمع الجزائري والمجتمع الإنساني نظرة ناقدة بناءة، فازدهر مسرحه في الستينات والسبعينات لكن، بعد وفاة الراحل هواري بومدين، أي بعد الزخم الاشتراكي، تراجع إلى الظل. ونفس الأمر ينطبق على ألفريد فرج الذي قدم لنا التاريخ العربي الإسلامي في صورة جميلة لم نعهدها في المسرح العربي قبله. لكن، حين جاء أنور السادات إلى الحكم، وجد نفسه منفيا في الجزائر، ثم في لندن، إلى أن انتقل إلى العالم الآخر. فهل يكون في مقدور كتاب المسرح من الآن فصاعدا أن يبتعدوا عن أنظمة الحكم التي تلف أياديها الأخطبوطية حولهم، وتجعلهم في خدمتها؟ ذلك ما ننتظر حدوثه في مختلف أوساط المسرح العالمية وما يدور في فلكها من كتاب وممثلين. نحن في حاجة إلى علولة جديد، لا لأن علولة صار قديما، بل، لأننا نريد أن نكون أحرارا، نحقق إنسانيتنا على سطح هذا الكوكب، ولا نريد لهذا الكاتب المسرحي أن يكون تحت رحمة هذا الحكم أو ذاك، سواء في الجزائر أو في بقية أطراف العالم.