بوسع الوزير الأول وهو يزور ولاية تبسة المنكوبة بالفساد، أن يتخذ منها أنموذجا لمحاربة الفساد، الذي يطبع نشاط المفسدين في العقار، والصفقات العمومية، والسوق الموازية، وقد انتقل من محيط الإدارة المحلية إلى قلب مؤسسة الولاية بسلوك فج لم يعد يخشى المجاهرة بالجريمة المنظمة ومظاهرها الخارجية من الثراء السريع الفاحش. الزيارة التفقدية التي سوف تقود رئيس الحكومة لولاية تبسة قي 18 من الشهر الجاري قد لا تختلف كثيرا عن الزيارات التي قادته إلى عدد من ولايات الوطن ساعد بعضها على رسم صورة حقيقية لما يعاني منه المواطنون على المستوى المحلي ليس لغياب برامج حكومية مركزية أو لبخل حكومي في الإنفاق بل كانت في معظمها محصلة لحالة الفساد التيس تنخر مؤسسات الحكم المحلية على رأسها الجهاز التنفيذي الولائي وشركائه في الفساد من الهيئات المحلية المنتخبة. ولاية تبسة التي قد يرحب سكانها أكثر من غيرهم بزيارة رئيس الحكومة ليست استثناء بل قد يجد فيها السيد رئيس الحكومة الصورة المثلى لما يمكن للمجاميع الفاسدة المفسدة أن تفعله بحياة المواطن حين تتوغل في مفاصل الإدارة المحلية، وتشتغل من مواقع المسؤولية على مرأى ومسمع من المسئول الأول في الولاية، ما لم يكن المسئول هو رأس العصابة كما هو حال كثير من ولايات الوطن. غير أن الإدارات المحلية قد اكتسبت مع الزمن خبرة إجرامية وتقنيات مجربة في التلبيس والتستر على الفساد والتعمية على الرقابة المركزية، خاصة وأن زيارات الوزير الأول تكون عادة معلومة مسبقا يتم التحضير لها كما يحضر لمعركة، وتجند عصابات الفساد لطلاء قشرة سميكة من المساحيق التجميلية التي تمنع المسئول الحكومي الأول عن الاقتراب من بؤر الفساد. وهذا تحديدا ما تشهده ولاية تبسة عشية زيارة الوزير الأول الذي سوف يساق عير شوارع أعيد تزفيتها على عجل مع تبييض الأرصفة، وتحضير قائمة من الإنجازات في المنشآت القاعدية والسكن والمياه تشغل لساعة من الزمن أمام الوزير الأول والوفد الحكومي وكمرات اليتيمة قبل أن تعود إلى أصلها كمشاريع معطلة معوقة يأكل الفساد أغلفتها المالية الضعف والضعفين. بوسع الوزير الأول، وهو يعلم مقدار الفساد الذي يعوق جهد الحكومة على المستوى المحلي أن يتخذ من زيارته لولاية تبسة نموذجا للزيارة التفقدية التي تحرك المياه الآسنة، ومحاسبة السلطات المحلية فيها ليس فقط على ما هو معلوم من فساد العصابات الإجرامية الكفيلة التي تعيش على ريع الانفلات الإداري في إدارة العقار، والصفقات العمومية المغشوشة، وهي وكر الفساد الإداري والمالي المحلي الأول، ناهيك عن الفوضى الخلاقة في العمران والبناء الذي حول الولاية برمتها إلى فضاء عمراني فوضوي يشي بحجم الفساد الذي يدير عمليات توزيع الأراضي المخصصة للبناء ورخص البناء بكل ما يحيط ذلك من تعامل فج معلن بالرشوة والمحسوبية. جميع سكان تبسة من غير الأمة الفاسدة يروون قصصا تكاد لا تصدق عن نشاط شبكة الفساد التي تتورط فيها الإدارة المحلية ورهط من المنتخبين، وتنسب للوالي ولمقربين منه حالات تستدعي في الحد الأدنى أن تخضع لرقابة ومحاسبة من جهة رقابة حكومية تنتهي إما بتبرئة ساحته أو تلزمه ما يلزمه به القانون، حتى وإن كانت مسؤوليته المباشرة قائمة على الأقل من جهة الفشل في مواجهة شبكة المفسدين في الإدارة وأرباب المقاولين المحلين، ونشاط المنتخبين وتنفذ المتنفذين في توجيه نشاط الولاية. ثلاث ملفات قد تساعد الوزير الأول في محاصرة جماعة المفسدين في هذه الولاية الحدودية المنكوبة. فبوسع الوزير الأول أن يوجه نشاط الوفد الحكومي المرافق للتدقيق في ملف العقار الذي شهد ويشهد افتراسا لا نظير له في الولايات المجاورة خارج مقتضيات القانون وبتواطؤ بين من السلطات المحلية المؤتمنة قانونا على احتياطي الولاية من العقار، وقد لا يحتاج في هذا التدقيق أكثر من نشر خارطة احتياطي الولاية من العقار، وقوائم المستفيدين، وحركة البيع والشراء التي حولت الفضاء العقاري إلى سوق مضاربة تدر المليارات على مجاميع المفسدين وأرباب سوق العقار, الملف الثاني لا يحتاج إلى تنقل فريق كبير من خبراء المحاسبة والتدقيق، لأن الوزير الأول يعلم أكثر من غيره أن ملف الصفقات العمومية المركزية وخاصة المحلية هو منجم لا ينضب للتكسب الغير شرعي يعتلف منه خلق كثير من الموظفين والمسئولين مع المقاولين والمناولين بكلفة مضاعفة ترهق الخزينة العمومية فضلا عن نتائجها على مستوى الأداء والغش في المنتج كثيرا ما يفتضح عند أول تساقط لمطار أو هزة أرضية ثانوية، أو بعد فترة وجيزة من الاستعمال. وفي هذا المجال يكون نشطاء فريق المفسدين في تبسة قد نفوق على نظرائه في باقي الولايات بلعت حد الحرفية من جهة والجرأة بالمجاهرة بالجريمة حتى أن ملفات الفساد في تبسة باتت معلومة للجميع محل التندر في المقاهي تغذي حديث الناس في المناسبات الاجتماعية وكأنها باتت قدرا لا مرد له. الملف الثالث له صلة بالدور الذي تلعبه اليوم هذه المجاميع المتضامنة من المفسدين في إدارة الاقتصاد الموازي والسوق السوداء التي تتفوق على السوق التقليدية وتلتهمها قطعة قطعة، وقد فعلت لصالحها آلة الفساد الإداري بما تساهم به الإدارة المحلية في تعويق النشاط الاقتصادي والتجاري الرسمي بكم هائل من المعوقات البيروقراطية تسهل في نهاية المطاف عملية إحلال نشاط الاقتصاد والتجارة الموازية محل النشاط القانوني المساهم في الجباية الوطنية. فقد نشأت شبكة معقدة من أرباب المصالح تدير عن بعد النشاط التجاري الموازي كما تستغل الجهد الذي تبذله الدولة لصالح الشباب عبر سياسات دعم النشاط الشبابي بالقروض، وفي هذا المجال قد يفاجأ الوزير الأول كيف أن الجزء الأكبر من هذا الجهد والإنفاق قد ذهب للمجاميع الفاسدة التي رأيناه من قبل تحول القسط الأكبر من الدعم الحكومي في الفلاحة وتحبط عملية تحديث الفلاحة.
وإذا كانت هذه الملفات معلومة متداولة في الشارع التبسي بالأسماء وأحبانا بأرقام خيالية عن حجم ثراء المتنفذين في الإدارة والمنتخبين، قد أكسبها التنفذ الإداري قدرا من الشرعية والغطاء القانوني، فإن تداعياتها لا تكون على مستقبل المسئولين المحلين والمنتخبين وحسب بل هي من أقوى معاول هدم ثقة المواطنين في الحكومة والدولة ما لم تتحرك الحكومة بقوة ضاربة لضرب معاقل الفساد التي انتقلت من محيط الإدارات المحلية إلى قلب مؤسسة الولاية على الأقل كما يجمع سكان تبسة وهم على استعداد لدعم الحكومة في تطهير الولاية من الفساد والمفسدين متى وفرت لهم الحكومة قنوات قانونية مؤمنة للإرشاد على مواطن الفساد والطغمة من المفسدين.