في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات تعالت الأصوات العالمية مطالبة بنظام إعلامي عالمي جديد يأخذ بعين الاعتبار حقوق دول العالم الثالث من التنمية الاقتصادية والتنمية الإعلامية، في تلك الفترة كشفت الدراسات العلمية الأكاديمية أن العالم الثالث يستهلك المعلومات والأخبار والتقارير السلبية وغير السلبية عن العالم بنسبة 99 بالمائة من خلال أربع وكالات عالمية وهي وكالتا أسوسيتيد برس أنترناسيونال ويونايتيد برس أنترناسيونال الأمريكيتان، ووكالة الأنباء الفرنسية ووكالة رويتر البريطانية وبدرجة أقل وكالة تاس السوفيتية قبل زوال الاتحاد السوفيتي . في تلك الفترة كان العالم مقسما إلى كتلتين الأولى رأسمالية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا الغربية، والثانية اشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، وحاولت دول العالم الثالث استحداث ما سمي بدول عدم الانحياز لكن أغلب تلك الدول كانت منحازة إما للمعسكر الاشتراكي أو المعسكر الغربي الرأسمالي. وكانت صورة العالم الثالث صورة سلبية نمطية، أما العالم العربي فقد كان أكثر عالم متضرر من الصورة السلبية بسبب الحروب العربية الإسرائيلية خلال سنوات 1948 و 1967 و 1973 والحرب الأهلية في لبنان عام 1978 و الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982، لكن الأمور بدأت تتغير مع إندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة 1987 حينها سارعت وسائل الإعلام العالمية الى نقل الأحداث بطريقة حية. وقد انتبه العرب الى أهمية الفضائيات العربية بعدما كشفوا أن التغطية الإعلامية لحرب الخليج الثانية سنة 1990 كانت منحازة جدا، وكانت أول دولة تستثمر أموال ضخمة في الإعلام الدولي هي المملكة العربية السعودية حيث خصصت مبلغ 300 مليون دولار لتحسين صورتها في الخارج وتبعتها دولة قطر بعدما أسست قناة الجزيرة سنة 1998 وتبعتها دول عربية أخرى. وقد اتضح توازن في تغطية أحداث العالم بظهور الفضائيات العربية الملتزمة أثناء حرب الخليج الثالثة ضد العراق في أبريل 2003 وازدادت المقاومة الإعلامية العربية في حرب تموز سنة 2006 بين حزب الله والجيش الصهيوني وأخيرا تمكن الإعلام العربي المقاوم من صد هجمة الإعلام الصهيوني والغربي وكشف بالصور الحية همجية الصهاينة، كما كشف زيف إدعاءات الغرب بحقوق الإنسان خصوصا الإعلام الأمريكي الذي يسيطر عليه اللوبي الصهيوني، ومن بين القنوات الأكثر مقاومة للإعلام الصهيوني والإعلام الأمريكي قنوات مثل "المنار" التابعة لحزب الله و"العالم" لإيران والأقصى التابعة لحركة حماس، فضلا عن قنوات أخرى مستقلة. الدراسات العلمية كشفت أن تزييف الحقائق ونقل الصور السلبية عن العرب والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية نتيجة للجهل بحقيقة الواقع عند الآخر وتاريخه أو تعمد تشويهه بقصد لأهداف تستهدف قيم الأمة ولو بشكل غير مباشر. وقد مورس هذا التحريف والتشويه لصورة العرب والمسلمين على خلفية هذين السببين عبر المستشرقين الذين جاؤوا مع حملات الغزو الغربي للبلاد العربية والإسلامية، ومرة أخرى عبر امتلاك الغرب للتفوق العلمي التقني لاسيما في المجال الإعلامي. في هذا الصدد يمكن القول أن الحل لمواجهة الصور السلبية النمطية يكمن في الإعلام المقاوم الذي يعرفه الدكتور عامر مشموشي بأنه الإعلام الذي يدافع عن القضية، أي تكون هناك ظروف سياسية أو قتالية أو نضالية يتمحور حولها هذا الإعلام ويستلهم روحية تحركه من مضمونها وتفاعلاتها. وهكذا يصبح الإعلام المقاوم وليد حالة إجتماعية لا يمكن تأطيرها في إطار الفعل الفردي أو النزعة الشخصية، بدليل ما يستوجبه من تشاور وتخطيط قبل وضع المراسلة الموجهة بشكلها النهائي، والموافقة لشروط تكوين المفردة الإعلامية المقاومة. كما يشترط في نجاح رسالة الإعلام المقاوم هو ديمومة العمل وفقا لخطط إعلامية سواء في فترة الشدة أو الهدوء والاستقرار ، وهو ما نشاهده في بعض القنوات العربية المقاومة التي لم تتوقف بالحديث عما يدور من أحداث غزة وما تبعها من تهديم للبنية التحتية والأضرار الجسدية والنفسية التي لحقت بشعب غزة لأن المعركة لا تنتهي بوقف إطلاق النار والتهدئة. وتعبئة الجماهير تحتاج الى عمل إعلامي محترف مثل القيام بروبورتاجات ميدانية تتحدث عن اليتامى وعن الشخصيات البارزة وعن تحديات رجال الأعمال والتجار وعن الشرطة والمسؤولين وعن النساء المناضلات، بمعنى آخر أن المصداقية والاحترافية ووحدة الهدف من بين أهم الأشياء التي يجب توفرها في الإعلام المقاوم خصوصا وأن السند الرئيسي لهذا الإعلام هو الأنظمة الملتزمة والعالم العربي والإسلامي يتوفر على إمكانات مالية هائلة بل إن تكنولوجية البث الفضائي أصبحت في متناول الجميع وما على المعنيين إلا الاشتغال على العنصر البشري المكون والمؤمن بالقضية، أي أن الصحفي الذي يشتغل في الإعلام المقاوم يجب أن يكون صحفيا محترفا متفرغا لهذا النشاط ويؤمن بمبدأ قداسة القضية. فاتح لعقاب