يعود السودانيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس الجمهورية بعد قرابة ربع قرن من آخر انتخابات ديمقراطية، وتجري غدا وبعد غد الانتخابات البرلمانية والمحلية على التوالي، في ظل حديث عن مقاطعة حزب الأمة بقيادة صادق المهدي أحد أبرز أحزاب المعارضة لهذه الانتخابات.. وتضارب الأنباء حول مشاركة الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان من عدمها، في الوقت الذي تتنافس فيه عدة أحزاب أخرى أبرزها المؤتمر الوطني الحاكم بقيادة عمر البشير والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي ومرشحه في الرئاسيات عبد الله نيال من الجنوب والاتحاد الديمقراطي بقيادة حاتم السر الذي يمثل طريقة معروفة في شرق السودان. وتمثل هذه الانتخابات رهانا حقيقيا للسودان من أجل استعادة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، خاصة في منطقة دارفور التي تواجه عدة تجاذبات داخلية وإقليمية ودولية، كما تعد هذه الانتخابات محطة لاستشراف مصير جنوب السودان الذي سيتم استفتاء سكانه في 2011 لمعرفة ما إذا كانوا يرغبون في الوحدة أو الانفصال. ويعد الرهان الاقتصادي لهذه الانتخابات ذا أهمية كبيرة للنهوض بالأوضاع الاجتماعية لشعب تعاني شرائح واسعة منه من الفقر، رغم أنه يعد البلد الأكبر مساحة إفريقيا وعربيا، ويزخر بطاقات زراعية وحيوانية هائلة ولكنها غير مستغلة بالشكل المطلوب، واحتياطات نفطية أصبحت تشكل مدخولا هاما لاقتصاد البلاد ساهم في تحقيق جزء من الأمن السلم والاجتماعي للسودان وإنعاش الوضع الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي خاصة الصيني منه، مما ضاعف من حجم التحديات السياسية والاقتصادية والدولية لهذا البلد. وخضعت السودان للاحتلال الانجليزي في القرن التاسع عشر وفي 1956 جرى استفتاء في السودان قبل انسحاب القوات الانجليزية حول الانضمام إلى مصر أو الانفصال عنها بعد أن كانت جزءا من مملكة مصر والسودان، فاختار السودانيون أن تكون لهم دولتهم المستقلة. غير أن هذا البلد الذي يجمع بين عدة مناخات كالصحراوي والمداري والاستوائي عانى من عدة انقلابات عسكرية على غرار معظم الدول الإفريقية، حيث أطاح نميري بحكم الرئيس الصادق المهدي في 25 مايو 1969 وأصبح أنصاره يسمون ''بالمايويين''، إلا أن انتفاضة شعبية تسببت في رحيل نميري عن الحكومة في 6 آفريل 1985 وتولى الجيش بقيادة عبد الرحمان سوار الذهب الحكم، ونظم آخر انتخابات رئاسية في 1986 أفرزت انتصار ائتلاف الاتحاد الديمقراطي بقيادة أحمد المرغني مع حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، وأصبح المرغني رئيسا للسودان إلى غاية 30 جوان 1989 حيث أطاح به الرئيس الحالي عمر البشير بالتحالف مع المفكر السوداني حسن الترابي.، وإثر خلاف سياسي بين البشير والترابي انشطر الحزب الحاكم إلى حزبين، المؤتمر الوطني بقيادة عمر البشير والمؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي. وواجهت السودان منذ نحو ربع قرن حربا انفصالية ضروسا في جنوبها ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي انتهت بالتوقيع على اتفاقية ''نيفاشا'' التي بموجبها تم الاتفاق على اقتسام السلطة واستفتاء سكان الولاياتالجنوبية في 2011 حول ما إذا كانوا يرغبون في البقاء ضمن سودان واحد أو الانفصال عن حكومة الخرطوم. ورغم الاعتقاد السائد لدى البعض بأن معظم سكان جنوب السودان مسيحيون إلا أن الحقيقة التي أكدها لنا أكثر من مصدر سوداني رسمي بأن نسبة المسيحيين في الجنوب لا تتجاوز 17 في المئة وهم يتساوون في العدد مع المسلمين إلا أن أغلبية الثلثين من سكان الجنوب وثنيون، وإن كان أبرز زعماء الحركة الشعبية لتحرير السودان مسيحيون إلا أنها تضم زعامات من المسلمين على غرار مرشحها المنسحب من الرئاسيات ''عرمان''، كما أنها تضم في صفوفها من الوثنيين، وتوصف هذه الحركة بأنها ذات توجهات علمانية. ومن المنتظر أن تشهد هذه الانتخابات منافسة حادة بين المؤتمر الوطني الحاكم المدعوم بعدة قبائل عربية خاصة في شرق السودان وبجناح من الحركة الإسلامية وتيار الإخوان المسلمين، كما يحظى بدعم الطريقة التيجانية التي يوجد مركزها بالجزائر ولها الكثير من المريدين في السودان، وبين المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي ومرشحها عبد الله نيال الذي له تواجد بارز خاصة في أقاليم دارفور في الغرب، بالإضافة إلى الاتحاد الديمقراطي الذي سبق له وفاز بقيادة المرغني الذي توفي العام الماضي برئاسيات ,1986 إلا أن الغائب الأكبر في هذه الانتخابات حزب الأمة بقيادة صادق المهدي والحركة الشعبية التي اقتصرت مشاركتها على انتخابات حكومة وبرلمان الجنوب، ورغم أن العديد من الملاحظين يرشحون الرئيس عمر البشير بالفوز بالرئاسيات والحصول على أغلب المقاعد البرلمانية والمحلية إلا أن هذه الانتخابات الثلاثية الأبعاد مفتوحة على كل الاحتمالات، ولا يستبعد حدوث أي مفاجأة قد لا تكون في الحسبان.