يوارى صبيحة اليوم بمقبرة العالية فقيد الجزائر المجاهد البطل لخضر بن طوبال، وستشيع جنازته انطلاقا من المقر الوطني لمنظمة المجاهدين، ليكون آخر الباءات الثلاث (كريم بلقاسم وعبد الحفيظ بوصوف ولخضر بن طوبال) الذين قادوا الثورة إلى الاستقلال، وتحملوا العبء الأكبر للثورة في أحلك مراحلها. ويعتبر الفقيد من المفجرين الأوائل لثورة التحرير الوطني حيث كان من بين المشاركين في اجتماع ال 22 الذين قرروا تفجير الثورة، وذلك يوم 52 جوان 4591، وانبثق عن هذه المجموعة جماعة الست التي انضم إليها كريم بلقاسم، وعند اندلاع الثورة في الأول نوفمبر 4591 كان بن طوبال أحد نواب ديدوش مراد أول قائد للشمال القسنطيني، والذي استشهد في مطلع 5591، وخلفه زيغود يوسف، وكان بن طوبال حينها متمركزا في جبال الميلية بجيجل، وشارك مع رجاله في هجمات الشمال القسنطيني، وفي نوفمبر من نفس العام لجأ إليه ثلاثة محكوم عليهم بالإعدام فروا من سجن الكدية الاستعماري رفقة البطل مصطفى بن بوالعيد وهؤلاء الثلاثة هم: الطاهر زبيري، إبراهيم طايبي، ولخضر مشري. بعد استشهاد العقيد زيغود يوسف عند عودته من مؤتمر الصومام في 6591 تولى لخضر بن طوبال قيادة الولاية الثانية، الشمال القسنطيني، كما أصبح عضوا فاعلا في قيادة الثورة التي كانت تحمل اسم لجنة التنسيق والتنفيذ، وازداد نفوذ بن طوبال داخل هياكل الثورة خاصة بعد الفراغ الذي تركه اختطاف طائرة الزعماء التاريخيين في 8591. في هذه المرحلة العصيبة، حاول كريم بلقاسم أن يفرض نفسه كزعيم للثورة بعد استشهاد أو أسر القادة الستة المفجرين للثورة، لكن بن طوبال وعبد الحفيظ بوصوف نبهاه بأنه لم يكن في مجموعة ال22 التي تمثل المرجعية التاريخية للثورة والتي سبقت مجموعة الست، وبذلك اتفق الثلاثة على التسيير الجماعي لجيش التحرير. أصبح العقيد لخضر بن طوبال بعد تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة أول وزير للداخلية، وشكل مع كل من العقيد كريم بلقاسم نائب رئيس الحكومة المؤقتة ووزير القوات المسلحة، وعبد الحفيظ بوصوف وزير الاتصالات والتسليح ما أصبح يعرف باللجنة المشتركة للحرب والتي قادت جيش التحرير إلى الانتصار حيث شارك بن طوبال في مفاوضات إيفيان التي أقرت الاستفتاء على تقرير المصير. إلا أن خروج القادة التاريخيين من السجن وتحالف الزعيم التاريخي أحمد بن بله مع العقيد هواري بومدين قائد أركان جيش التحرير أدى إلى إقصاء لخضر بن طوبال ومعه بقية الباءات من عضوية المكتب السياسي لجبهة التحرير، وذلك خلال مؤتمر طرابلس بليبيا في مارس 2691، وتم بعدها تحييد بن طوبال من صناعة القرار السياسي في الجزائر المستقلة. ورغم مرضه الشديد في السنوات الأخيرة، إلا أن العقيد لخضر بن طوبال رحمه الله استطاع كتابة مذكراته، حسبما أكده لنا إخوانه في السلاح، غير أن هناك من طلب منه إجراء عدة تعديلات على هذه المذكرات لتضمنها أشياء لم يحن بعد أوان نشرها، فقرر عدم نشر هذه المذكرات ما دام حيا، فهل سيأتي يوم ويطلع جيل الاستقلال على كنز من أسرار الثورة التي تختزنها هذه المذكرات؟.