عرفت مؤشرات استهلاك المخدرات للفرد الجزائري ارتفاعا كبيرا بعدما قفز من 2غ خلال الثمانينات والتسعينات إلى 5 و6غ خلال الألفية الأخير، و75 طنا من المخدرات التي تم حجزها بالجزائر خلال 2009-2010 جعل الجزائر تقف عاجزة أمام ضخامة المشاكل المطروحة والتي أحكم حبكتها -أعداء المجتمع من شبكات تهريب المخدرات وسماسرة الموت، الذين أصبحوا في وقت قصير من ضمن أخطر الشبكات الإجرامية المنظمة، وميزانية هاته الشبكات حسب مصادر أمنية تفوق ال10 مرات إمكانيات دولة بأسرها مقارنة بالأموال الطائلة التي تعود من تجارة المخدرات التي تحولت خلال العشرية السوداء خزينة لتمويل الجمعات الإرهابية، ورغم مجهودات الجزائر الجبارة لمكافحة الظاهرة أو حتى التقليل منها تبقى عاجزة وغير قادرة على منع المهرب والوقوف في وجهه، خاصة في ظل العولمة والإنفجار الإعلامي، فلا التكنولوجيا ولا الأموال كافية أمام العولمة لمحاربة الظاهرة، وإذا كانت البلدان المتطورة لم تقدر إلى يومنا من مراقبة جميع الحاويات واحتواء المخذرات، فكيف باستطاعة الدول الإفريقية - والجزائر واحدة منهم- أن تواجه سماسرة الموت أو بارونات المخدرات وهي لا تملك لا الخبرة العلمية والتكنولوجية؟ فسهولة حركة الأموال والسلع كلها عوامل تسهل مهمة المهربين، وتقارير أمنية وقضائية تكشف أن بارونات المخدرات جعلوا من الجزائر مركز عبور نحو أوربا بدل الإتجاه من دولة المغرب المنتجة الواقعة بجوار الجزائر والتي تنتج أكثر من 60 بالمائة من المخدرات على المستوى العالمي وهذا لأنه يوجد نص تشريعي في المغرب يقول -إعدام لمن وجد عنده كمية من المخدرات- في حين أن الجزائر مازالت تطبق قوانين ليست بذات القوة ولم تصل بعد إلى المؤبد، في حين أفادتنا مصادر أمنية أن السبب الحقيقي الذي جعل من الجزائر ملاكز عبور يرجع إلى أن البلدان المجاورة على غرار فرنسا، إسبانيا وإيطاليا غلقت حدودها وشددت حراستها وأقامت سدا منيعا، ما جعل المهربين المغاربة يوجهون سمومهم بطريقة غير مباشرة نحو أوربا انطلاقا من الجزائر، ليبيا، التشاد، مصر فإسرائيل مرورا بجبال البلقان للدخول من جديد إلى أوربا عن طريق حدود البلدان الأوربية التي التحقت مؤخرا بالإتحاد الأوربي والتي لم تصل صلابة حدودها بعد إلى قوة الحدود الواقعة جنوب أوربا، وبطبيعة الحال، ولأنها شبكة كبيرة يصعب السيطرة عليها بالجزائر قبل إقلاعها خاصة وأن الجزائر صحراء شاسعة. في الوقت الذي أكدت مصادر أمنية أخرى أن معظم المخدرات وخاصة الكوكايين والهروين تبقى بالجزائر للاستهلاك المحلي بعدما أغلقت أوربا أبوابها، ما يهدد ما يربو عن 20 مليون شاب مازال لم يقع بعد في شبكة المخدرات والإدمان حسب ذات المصادر، ولا يكفي فقط للدولة ومصالحها الأمنية من رجال أمن ودرك وجمارك أن تتصدى لظاهرة المخذرات -التي أصبحت واقعا ملموسا بالجزائر التي صارت تعرف دوليا بأنها مركز عبور واستهلاك- بل لا بد على المجتمع بكل فئاته أن تتحد حتى ولو للتقليل من الظاهرة الشائكة التي فككت الكثير من الأسر وأفسدت الأخلاق وأفرغت الجيوب وجعلت الجرائم لا تعد ولا تحصى وأكبر ضحية هم الأطفال والشباب عصب المجتمع والقوة المحركة، خاصة وأن المختصون أعطوا تقييما أسودا لواقع المخدرات بالوطن مع ارتفاع مؤشرات المدمنين والمستهلكين والمروجين فالكيف مثلا صار في متناول الجميع وحتى الأطفال. فقد تم إحصاء خلال العشرية الأخيرة 30 ألف مدمنا الجزائر، كما كشفت آخر الإحصائيات المسجلة عن تسجيل 6500 شابا في قائمة الإدمان حسب حصيلة 2009-2010، كما أوضحت الأرقام المقدمة من طرف السيد المدير العام للديوان الوطني لمكافحة المخدرات السيد السايح عبد المالك - والمسجلة خلال سنة 2009 عن إحصاء 450 مروجا و9000 مستهلك تم سجنه و1700 دخلوا المستشفيات للعلاج.وقد التقينا بالسيدالسايح على هامش فعاليات الملتقى الجهوي الذي احتضنته وهران على مدار يومين انطلاقا من 12ماي حول تطبيق القانون 04-18 المؤرخ في 25 ديسمبر2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وإدمانها - وهو ما جعل المختصين يحذرون من انهيار وشيك في المجتمع في ظل الأرقام المتزايدة خاصة تلك المتعلقة بالتزايد المخيف للشبكات الإجرامية المنظمة وبارونات المحدرات.ومن خلال هاته المعطيات تكهن بعض المختصين في القانون بفشل لقانون مكافحة المخذرات الجديد 04-18 الذي أسقط المدمن من المتابعة القضائية في حالة ما التزم بالعلاج والمتابعة الطبية معتبرا المدمن من المرضى وليس من المجرمين وبالرغم من المشرع الجزائري ولأول مرة يضع حدودا بين المجرم والمدمن، إلا أن الانتشار الواسع للمخدرات قد يسقط في شباكه ضحايا جديدة.